كمال جاب الله يكتب: مبادرة تضامنية مؤثرة تجاه الصين

506

حسنًا فعلت الحكومة المصرية، بالإعلان عن إرسال 10 أطنان من المستلزمات الوقائية، هدية رمزية للشعب الصينى، على متن الطائرة، التى أقلت المواطنين المصريين العائدين من مدينة ووهان، لحمايتهم من الإصابة بفيروس كورونا.

وقد استقبلت جمهورية الصين الشعبية – بترحاب وبكل معاني الود والامتنان – اللفتة التضامنية المصرية المؤثرة، عبر عنها، صراحة، سفيرها بالقاهرة، لياو ليتشيانج، في إطار عمق العلاقات الثانية بين الدولتين، والشعبين الصديقين.

كثيرة هى المبادرات الرسمية والأهلية، التي جرى الإعلان عنها، في مختلف أنحاء العالم، تضامنًا مع الصين، قيادة وحكومة وشعبًا، في مواجهة المحنة الطارئة التي تواجهها حتى هذه اللحظة.

هذا التضامن، حتى ولو اقتصر على كلمات بسيطة، نابعة من قلوب أفراد عاديين محبين للصين، يظل أقل واجب تجاه دولة عظيمة وعملاقة، لم تتوان لحظة – طوال تاريخها المعاصر- في تقديم التأييد، والدعم المادي والمعنوي لقضايا العالم، العادلة والمصيرية والمشروعة، وبالذات، الدول النامية، وفى مقدمتها، العربية.

فى ضوء العزلة التى فرضتها الصين على نفسها، لمحاصرة الوباء، ومنع انتشاره خارج حدودها، وهى خطوة أخلاقية جريئة، تضاف إلى مآثرها، بتوقيف حركة الموانئ الجوية والبحرية والبرية، حتى في داخل البلاد، فقد تفتقت القريحة عن وسيلة، قد تكون متاحة لكل راغب، في التعبير عن مشاعره التضامنية مع الصين.

فمصر تعتبر واحدة من الدول المهمة، التى تستضيف على أرضها عددًا كبيرًا من أفراد الجالية الصينية، المشاركين في بناء مشروعات إنشائية ضخمة، ضمن خطة التنمية الاقتصادية المصرية الطموح 2030، وفى إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.

على هذا الأساس، أتيحت لى الفرصة الذهبية للذهاب، بنفسي، إلى أحد أهم تجمعات الجالية الصينية في مصر، العاملة – جنبًا إلى جنب مع الآلاف من أبنائنا – في منطقة الأعمال المركزية CBD، التى تتولى تنفيذها الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية CSCEC، بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهى منطقة محصنة، إلى أقصى الدرجات، بتشديدات وقائية، مفهوم القصد منها في مثل هذه الظروف.

لم يتوقف برنامج الزيارة، والغرض من تلبيتها، على إظهار التعاطف، وجها لوجه، مع المهندسين والموظفين والعمال الصينيين، العاملين بجد واجتهاد وبدون كلل أو ملل، لإنجاز المشروع على أكمل وجه، وفقا لخريطته الزمنية، بل امتد الحديث، أيضًا، إلى الإصغاء ومشاهدة الروح التضامنية والمعنوية العالية، التى يكنها العاملون المصريون تجاه الآلاف من ضيوفهم وزملائهم الصينيين.

فى التصريحات الصحفية المتتالية التى أدلى بها، مؤخرا، السفير، لياو ليتشيانج، أكد أنه لم يتم تسجيل أي إصابات بفيروس كورونا في صفوف المصريين بالصين، أو إصابة أى مواطن صيني في مصر، هذا صحيح والحمد لله، وذلك في ضوء الجهود الوقائية المشتركة لمكافحة الوباء، والعمل الثنائي على عدم انتشاره.

وللتحقق من سير الأداء في منطقة الأعمال المركزية، وعدم تأثره بالوضع الاستثنائى الذي تواجهه الصين، قمت بجولة ميدانية بين أبراج المشروع الـ 20.

شاهدت، بنفسى كذلك وعلى الطبيعة مساء يوم الخميس الماضى، بدء أعمال وضع أساسات خرسانية، تقدر بنحو 6500 متر مكعب، وقد تم الانتهاء منها في 21 ساعة – فقط- وهو رقم قياسي في الإنجاز، بدلا من المقدر لها 30 ساعة.

هذه الكميات من الأساسات الخرسانية، حسب المدير التنفيذي للمشروع، المهندس الصيني “هو كايدونج” هي جزء من إجمالي 13500متر مكعب، وتتضمن 2600 طن من حديد التسليح، سيقام فوقها فندق بالمنطقة من 11 طابقًا، وبارتفاع 50 مترًا، على مساحة 260 ألف متر مربع، ينتظر تسليمه في شهر مارس 2022.

لم أفوت فرصة الزيارة، بدون إبداء الرغبة لتفقد سير العمل في مشروع إنشاء البرج الأيقوني، وهو على شكل مسلة فرعونية، وبارتفاع 385 مترًا وبعدد 78 طابقًا، الأكثر ارتفاعًا في مصر وفى قارة إفريقيا، ويجري توظيف أحدث التقنيات من حيث الخامات والمعدات والعمالة في بنائه بالعاصمة الإدارية الجديدة.

فى شهر سبتمبر الماضى، وعندما زرت منطقة الأعمال المركزية، كان ارتفاع الإنشاءات في مشروع البرج الأيقوني لا يتجاوز بضعة أمتار تضم 4 طوابق، فقط، والمفاجأة التي كانت بانتظاري خلال زيارتي الأخيرة، أن الارتفاع وصل إلى نحو 130 مترًا، أي ما يوازي 21 طابقًا، بمعدل الانتهاء من بناء طابق كل 6 آيام.

المخاطرة الحقيقية التي تعرضت لها، خلال تفقد سير العمل بالبرج الأيقوني، تكمن في إصراري على صعود الـ 130 مترًا بالإمكانات المتواضعة المتاحة، بعضها سلالم حديدية ضيقة للغاية يسلكها بناءون مصريون وصينيون أفذاذ، وسط غابة وشبكة عنكبوتية معقدة من حديد التسليح، وصولا إلى أعلى نقطة في التنفيذ.

فى تلك النقطة المرتفعة من المشروع، على وجه التحديد، وجدت كتيبة مقاتلة من البنائين العظام، من الجانبين المصري والصيني، يبلغ عددهم- في كل “وردية” على مدار الـ 24 ساعة، نحو 50 فردًا، لا تمنعهم متطلبات العمل القاسية، ولا تغيرات الأحوال الجوية- شتاء وصيفًا- من مواصلة أعمالهم الإنشائية الجليلة.

حتى تكتمل قصة المبادرة التضامنية الفردية، والصوررة الميدانية الفريدة، لما رأيته بعيني من إنجازات في منطقة الأعمال المركزية، بقي أن أشير إلى أن مدة الزيارة للعاصمة الإدارية استمرت 24 ساعة، تقريبًا، واشتملت على المبيت مع الأصدقاء الصينيين في معسكر إقامتهم بالمنطقة، وتناول وجبات الإفطاروالغداء والعشاء مع عدد من مهندسي وموظفي المشروع، وهم: هو ون مينج جيان شون وي وتشانج يي تشينج ووانج جونجبين وجيجونج وتيان شياولنج وشان إى وشيجوانجزوا وشن كون وليو يى ولي جنجهنج. فلهم جميعا ولغيرهم كل الشكر.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.