في الطُرق الشاردة، لا حاكم فوق نظام تحديد المواقع GPS
لم تعُد العزلة مُمكنة..
لا من طبائع البشر ولا من الطبيعة الذاهبة بخُطى سريعة إلى شيخوختها
ليس بوسعك إلا أن تُعاين المجهول والروافد التي تخترق المدينة:
المسافرون الذين يختزلون حركة الكائنات والقوافل من بدء الخليقة
حقائب السفر الجلدية المربوطة بحبال الأسى فوق السيارات
المقابر العتيقة التي تزحف عليها هياكل الجسور الجديدة لتحرمها من سطوة الخلاء
الطائرُ المُنتحِب الذي يسفحُ مراثيه فوق شجرةٍ في طريق المعادي
البيوت التي هدموا واجهاتها حتى تعرَّت غرفها فوق الطريق الدائري
الرافعات والأوناش التي تحرس في الطرق السريعة لافتاتِ «منطقة عمل»
لوحات الإعلانات التي تحفّزُ الخيال في الفراغات المهجورة المدلهمّة بالوحشة والنّسيان
النخيل الذي ينافس طبقًا لاقطًا في عمارة كالحة، أيهما يلامس الغيوم أولًا!
قطعان الماشية التي تمضغ عشبَ الصيفِ الكاسر وهي ترعى بهناءة الأبديّة
الشريط الأصفر الكئيب الذي يحول بين السيارات المارقة والهوة التي تبتلع الوجود
الأنفاق وأبراج الاتصالات وكمائن المرور والكتل الأسمنتية المصابة بالصمم
الرمل الموحش، الذي يفرُّ من وطأة الكآبة والسّخام بتكديس أثقال الصّخب العاتي والحطام
الطريق السياحي الذي يتباطؤ فيه السائقون فقط حين يقتربون من الرادار
الأسفلت الحارق الذي ترك مستهترون على وجهه ندوبًا بكوابح سياراتهم الفارهة
صحراء الأهرام التي عمّروها واستعمروها، حتى صارت تُسمى «حدائق»
الإسكان البديل، الذي يترقبُ -بتوجسِ- أهالي نزلة السمان وغيرهم من غزاة الأهرام
عربات الشاي والقهوة المتنقلة التي تغريك أو تستجديك على طريق الواحات
البوابات الحصينة وبطاقات الهوية والحواجز الإلكترونية التي تشبه الندم
سيرة الطريق، ومضةٌ من بروقِ التوتّر، واللهاث، والانتظارات المؤلمة.