مصطفى جمعة يكتب: قنا.. ساحة الشعر ورواده وباحة الرواية وعشاقها

580
قنا تلك البُقعةُ الغالية والعزيزة التي ترتكز على إرثٍ حضاريٍّ مهول وتاريخٍ أقل ما يُوصف به أنَّه عظيم، هي الأرض التي احتضنت أرقى الحضارات الانسانية وهي التي تشرَّفت لسنوات طويلة نظرا لموقعها الفريد كطريق الحجاج القديم عبر صحراء “عيذاب” في إطعام الحجيج القادمين من بلاد الأندلس والمغرب وموريتانيا والسنغال والجزائر وتونس وليبيا وإيواء أهل العلم من شمال افريقيا وغربها، ومن الحجاز والشام وتكريمهم في عصرٍ كان التخلف أبرز سماته.
 و الثقافة القنائية تتميز بسمات الأصالة والتفرد والمحافظة، رغم توافد الثقافات الخارجية الفرعونية منها والإغريقية والرومانية، إلا أنها حافظة على الكثير من معتقداتها وعمارتها وفنوننها .
 ولا يخفي على الفاحص الحصيف أن قنا القديمة لعبت دوراً بارزاً في تطور الحضارات الإنسانية, واجترحت على إثرها العديد من المنجزات الفكرية والتقنية التي تفوقنا بها على كثير من الأمم والشعوب في العصور القديمة, كابتداع نظام متقدم في الكتابة الهيروغليفية لتسجيل اللغة المصرية القديمة
 من خلال صور ترمز إلى أصوات أولية للكلمات، مستوحاة من الموجودات الشائعة في البيئة المصرية في ذلك الوقت، من نبات وحيوان وأعضاءها ومن الإنسان وأعضائه ومن مصنوعاته وغيرها. مثل الفم وينطق (را)، والعين وتنطق (يري) والعرش وينطق (ست) والبيت وينطق (بر) أو الثعبان (فاي) ويؤخذ منها الحرف الأول (ف)، والبومة (م) والحدأة (أ)، كما استعملوا رموزا دخلت فيما بعد إلى الكتابة العربية مثل (هـ) و(و) و(ش).
 والكتابة على جدران المعابد تعتبر من أعظم الحضارات الإنسانية التي خلقت أرثا حضاريا عظيما تمثل وتشكل جزء منه فيما هو منقوش والتي كان منها احيانا شذرات كثيرة من الشِّعر الذي يمكن أن يوصف بـ«الشَّعبيّ». فهو شعر أبرز ملامحه أن لغته «هجين» مضفورة من العامية والفصحى.
  وقنا بصماتها على هذا الشِّعر واضحة حيث طبعته بطابع خاص وفريد عن طريق التأثير والتأثّر، والأخذ والعطاء، فعلى مستوى اللغة نجد أن التأثير القنائي العميق في عربية مصر ، ليس على مستوى المفردات والمصطلحات فحسب، بل حتى على المستويات الدلالية والتركيبية والصوتية.
 تظهر واضحة عبر الشعر العامي الذي يتصدر مشهد الإبداع بالكلمة، من خلال شعراء كبار تصدروا الساحة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر عبدالرحمن الابنودي،وأمل دنقل وعبدالرحيم منصور،مصطفى الضمراني ،عبدالرحيم حمزة ، حمدي منصور،صفوت البططي، وفتحي عبدالسميع ومحمود المغربي ،عزت الطيري ،عبدالستار سليم ،محمد حلمي فؤاد وممصطفى حلمي ، صلاح شملول ،أمجد ريان،سيد عبدالعاطي،عطية حسن،محمد عبده القرافي،احمد مرتضى عبده، احمد محمد حسن، محمد خربوش،عبدالحميد أحمد علي ، حمدي البوقي وغيرهم من الاجيال المتعاقبة، من اصحاب القريحة الشعرية الخصبة والمورقة لأسباب منها الطبيعة وتنوع الثقافات وعبق اللغة على لسان أهل قنا.
 ولَم يقتصر الإبداع القنائي على الشعر فقط وانما امتد الي الرواية حيث وجدنا منها أقلاما شقت طريقها إقليمياً وعالمياً، ومنهم يحي الطاهر عبدالله صاحب رواية”الطوق والاسورة”التي تحولت الي فيلم سينمائي نال العديد من الجوائز العالمية .
وجمعت قنا بين الاثنين حيث أصبحت للشعر ساحته ورواده وللرواية باحتها وعشاقها ، لا يلغي أحدهما الآخر، ولذلك تتضافر أشكال الإبداع في قنا الخالدة لإيصال صوت الإنسان معبراً عما لمسه بحسه وملكته ومهارته، وكل حسب قدرته وما يرتئي.‬
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.