الحنين وحده هو الذي دفع بي لتدوين هذه الاحرف في ذكرى اول مشاركة لي مع فرقة قنا للفنون الشعبية التي كانت تعد واحدة من اهم الفرق الاربعة على مستوى الجمهورية (رضا والقومية وقنا والبحيرة) لاحياء ذكرى رفاق العمر الحاضرون او المسافرون الي حيث النور أصحاب الطموح اللامحدود الذين طرقوا أبواب المستحيل طرقاً عنيفاً وأحالوه إلى واقع ملموس يلهم العبر و الدروس من ارواحهم وجهدهم ومثابرتهم وتحديهم لكل الظروف بما فيها الواقع الاجتماعي .
ما أقبح الموت، وما أجمل الراحلون،الرحمة لهم و لنا جميعا،فالراحلون كانوا ومازالوا وسيظلون جزءا غاليا وعزيزا من حياتنا وذكرياتنا بل وخلايانا ،أبدا لا يغيبون.قد تغيب الأجساد ، لكن أرواحهم أبدا عنا لا تغيب،إنهم معنا في كل حركاتنا وسكناتنا، ويأتوننا الينا في كل اللحظات سواء الفرح أو الحزن فنكلمهم بأرواحنا وكأننا نشكو إليهم حالنا من بعدهم.
أنا لا طاقة لي بالابتعاد عنهم ولذلك دائما ،أزورهم سرًا وجهرًا، أزورهم كلما ساقني شوقي لهم ، رحم الله أحباءنا الذين رحلوا واصبح كلامهم العادي في الذاكرة قصائد وأصبحنا الان أكثر احتياجا لهم من أي وقت مضى.
والرقص الشعبي القنائي كان ومازال يستلهم من نبع حياتنا ووحيها و رمزاً صميماً لأصالتنا فى أروع معانيها ، وعمق بساطنها وصفاء سجيتها وروعة مكانتها ويظهر هدا جليا في اللوحات الاستعراضية التي قدمتها الفرقة والتي استمدت من حكاياتنا الشعبية التى تعد من أهم ذخائرنا ، ونفائس تراثنا المتدفق من أعماق جذورنا الضاربة فى إغوار الماضى ، وسجل حاضرنا الذى نعيشه.
وكانت ومازالت هذه الاعمال تتفجر بالصدق والفن ،صورنا فيها باجسادنا وقائع تصور انفعالات مجتمعنا القنائي فى أفراحه واتراحه ، فى جموده وانطلاقاته بإحساس غني بالمعاني ، والإجتراحات الفريدة، على صعيدي الشكل والمضمون .
و صور الحياة في قنا وبما تحفل به من انشطة هي لوحات على صدر الزمن حيث كانت اول من عرفت فن “النحت” والذي كان يعبر عن المنطقة وتوجهاتها ومعاركها وابطالها ، وهو ما يظهر في الجداريات والمنحوتات ليعقبها بعد ذلك حقبة الموسيقى التي لا يمكن تناولها من دون الرقص. وحتى الأشعار التي تغنى مع كل رقصة كانت تأتي وفي ذهن شاعرها اللحن والرقص
فشكرا لله الذي جعلني اعاصر بل اشارك مع هذه المجموعة المختلفة عن البشر لكونها خلقت من من معان وضياء لكي يدفعون التراث القنائي الاصيل نحو العلا لكي يضيء لهم ولبلادهم طريق الخلود ويدونون صفحات مبهجة لفرقتهم التي كانت ومازالت رغم اقترابها من من عامها الستين مرتعاً للأرائل ومسرحاً للغزلان ومأوى للأيانق الأصيلة .