أصداء واسعة تلقيتها من أصدقاء وزملاء كوريين ويابانيين، وغيرهم من المصريين والعرب، تعقيبا على نشر مقالي الأحد الماضي، قاربت فيه بين ما تعانيه منطقة شمال شرق أسيا، وبما تئن منه دول وشعوب الشرق الأوسط، من تهديد وجودي، بسبب تلويح كوريا الشمالية وإسرائيل، معا، باستخدام النووي.
نشر المقال تزامن – بالمصادفة – في اليوم – نفسه – الذي دعا فيه وزير صهيوني (أتعفف هنا عن ذكر اسمه) إلى ضرب قطاع غزة المحتل بالنووي، وفي كوريا الشمالية، صدرت تصريحات – مماثلة – بإتمام بناء أقوى قوة نووية في العالم!!
المثير للاستهجان والدهشة في كلا التصريحين معًا، الإسرائيلي والكوري، أن الأول يثبت بالدليل القاطع امتلاك الكيان الصهيوني العنصري للسلاح النووي، وهو ما كان يتهرب من إفشاء أسراره،
ويؤكد التصريح -الثاني-عدم التزام نظام كوريا الشمالية بتنفيذ 6 قرارات، أصدرها مجلس الأمن الدولي بوقف برنامجها النووي.
المقاربة التي أشرت إليها في مقال سابق، جاءت في سياق حوارات جرت بطوكيو مع زملاء وأصدقاء، لإبلاغهم بأن التهديد النووي الوجودي، الذي يقض مضجع الشرق الأوسط، هو – نفسه – ما ينغص حياة الأصدقاء باليابان وكوريا الجنوبية.
الثابت قولا وفعلا، وتصريحا وتلميحا، أن كوريا الشمالية تعلن – دائمًا – أنها تنتج سلاح الدمار الشامل، وسجلته في دستورها كدولة نووية، بغرض – ما أسمته – الدفاع عن النفس، في حين يحتل الكيان الصهيوني العنصري أراضي عربية بالقوة، وسبق أن هدد باستخدام النووي، بعد هزيمته في بدايات حرب أكتوبر عام 1973.
وفقا لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إجمالي عدد الرؤوس النووية في العالم يبلغ حوالي 12512 رأسًا، والدول المشاركة في معاهدة حظر الانتشار النووي، وتمتلك رؤوسًا نووية، بشكل رسمي، هي: روسيا 7400، الولايات المتحدة 7200، فرنسا 300، الصين 250، وإنجلترا 215.
أما الدول التي لم تشارك في المعاهدة، وتمتلك رؤوسًا نووية، بشكل غير رسمي، فهي: باكستان 120، الهند 110، إسرائيل 80، كوريا الشمالية 8.
في وقت مبكر من هذا العام، 2023، توقع كيم دونج-يوب، الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية بعاصمة الشطر الجنوبي سول، أن يرتفع عدد الرؤوس النووية، التي تنتجها بيونج يانج، إلى أكثر من 100 رأس نووي بحلول 2026.
الكيان العنصري الصهيوني لم يوقع – في الأساس – على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، مبيتًا النية الشريرة لإنتاجها، ولإحداث التوتر وعدم الاستقرار بالشرق الأوسط، في حين انسحبت كوريا الشمالية من الاتفاقية، في سابقة لا مثيل لها منذ التوقيع عليها في عام 1970. وفي 2005، أعلنت رسميًا حيازتها للسلاح النووي.
في حرب الإبادة الجماعية الإجرامية التي يخوضها الكيان الصهيوني العنصري ضد الشعب العربي الفلسطيني بقطاع غزة المحتل، جرى إسقاط أكثر من 35 ألف طن من المتفجرات، وللمقاربة التاريخية، كانت قوة القنبلة الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية في عام 1945، حوالي 12 ألف طن فقط.
مما قرأته في الميديا عن حرب الإبادة الجماعية، اتضح أن إسرائيل تلاحق سكان غزة الآمنين بمتفجرات محظورة دوليًا، وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، يمكن للمتفجرات اختراق أجساد الضحايا، وتذويبها، بما يستحيل على الأطباء علاجها.
بعد أن أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الأولى في 9 أكتوبر عام 2006، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1718، ويطالب بمنع التجارة في المعدات والتقنيات والأصول المتعلقة بتطوير أسلحة الدمار الشامل، أو نقلها بأي صورة، بالإضافة إلى منع المسئولين الشماليين من الانتقال إلى الدول الأخرى أو العبور من خلالها.
عقب إجرائها التجربة النووية الثانية في 25 مايو 2009، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1874، ويدعو إلى فرض عقوبات أشد على كوريا الشمالية.
في 12 فبراير 2013، أجرت كوريا الشمالية التجربة النووية الثالثة، ومرر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2094، يتضمن فرض عقوبات صارمة ضد بيونج يانج.
أيضًا، فرض مجلس الأمن عقوبات أقوى وأكثر فعالية ضد كوريا الشمالية، بموجب القرار رقم 2270، الصادر في 2 مارس 2016، بعد تجربتها النووية الرابعة.
قرار مجلس الأمن الخامس الصادر ضد كوريا الشمالية حمل رقم 2321، وجاء بعد إجراء تجربتها النووية الخامسة في سبتمبر 2016، أما القرار السادس والأخير فهو برقم 2375، وصدر بعد إجراء التجربة النووية السادسة في 3 سبتمبر 2017.
بالرغم من صدور كل هذه القرارات الدولية الملزمة لوقف التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، تتفاخر بيونج يانج بأنها نجحت – بامتياز – في بناء أقوى قوة نووية في العالم، وفيما يشتد حصارها، يترك العنان للعربدة الصهيونية.
في منطقة الشرق الأوسط، التي دعت مصر مرارًا إلى إخلائها من سلاح الدمار الشامل، أثبتت الدول العربية حسن نواياها بالانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتزمت بتنفيذ تعهداتها، باستثناء الكيان الصهيوني العنصري، الذي أفصح ثانية عن نواياه الشريرة باستخدام النووي بما يهدد الأمن والسلم الدوليين.
العالم كله، والغربي منه على وجه التحديد، لم يغمض له جفن عندما ساورته الشكوك حول تطوير البرنامج النووي الإيراني، سبقته ليبيا والعراق، اللتان تعرضتا للدمار والتفكيك بالحجة الواهية، نفسها، والحال شرحه ينطبق على الشطر الكوري الشمالي، فيما تترك إسرائيل تعيث في الأرض فسادًا وعربدة وتوسعًا.
عشرات إن لم يكن المئات من القرارات الدولية، التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة ووكالتها المتخصصة، تدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967، والإذعان لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، كلها – أي هذه القرارات – لم تجد طريقها للتنفيذ.
عندما تمارس المقاومة الفلسطينية حقها المشروع – وفقا للقانون الدولي – في الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات، تتهم بممارسة الإرهاب، ويتعرض الشعب لأسوأ أعمال البلطجة والإبادة الجماعية، على أيدي طغمة من جنرالات الغبرة، تقصف – بلا رحمة – المستشفيات، وتحرق الأطفال والنساء وكبار السن، بأسلحة محرمة دوليا.
ختاما، لقد فاض الكيل بمنطقة الشرق الأوسط، بسبب إسرائيل، ولحقت بها دول شمال شرق آسيا، نتيجة للتهديد الكوري، ليصبح كلانا “في الهم الوجودي شرق”.
(يتبع من طوكيو)
kgaballa@ahram.org.eg