طوكيو: المأساة الدرامية التي تعانيها الشعوب العربية، قاطبة، وفي الأراضي الفلسطينية، تحديدا، على أيدي إرهاب الدولة المقيت، الذي يمارسه مجرمو الحرب الصهاينة، فرضت نفسها على حوارات وأحاديث مطولة صادفتها –هنا- في اليابان.
بداية، أقر وأعترف أمام سيدنا القارئ بأن الترتيبات المسبقة لزيارة اليابان كانت سياحية، واستطلاعية في الأساس، للتعرف -عن قرب وفي حدود المسموح- على التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها –وتشهدها- بلاد الشمس المشرقة.
لذلك، لم يخطر على البال-إطلاقا- أن تنقلب الأحوال في أثناء الزيارة- رأسا على عقب وبشكل غير مسبوق- بمنطقة الشرق الأوسط عموما، وعلى أرض فلسطين، خاصة، عقب الزلزال الذي أحدثه “طوفان الأقصى” وتوابعه، في 7 أكتوبر الحالي.
بما أني قادم من مسرح الأحداث، بدا سيل الأسئلة يطاردني، للتعرف عما جرى –ويجري- بمنطقتنا، وذلك، أينما حللت، من جانب أصدقاء وزملاء يابانيين وعرب وأجانب بالعاصمة، طوكيو وفي خارجها، من عينة: كيف ولماذا وإلى أين المصير؟
الموقف الرسمي والإعلامي الياباني، المتعلق بالتطورات الأخيرة بالأراضي العربية المحتلة في فلسطين، يسعى إلى تحقيق قدر من التوازن والموضوعية، في التعبير العلني عن السياسات الواجب أن تتبعها طوكيو، في هذه الظروف الدولية المعقدة.
طوكيو ليست محكومة -فقط- بعلاقات تحالف إستراتيجية مع واشنطن، ولكنها ملزمة-أيضا- بالتعبير عن موقف موحد، تجاه الأحداث الشرق أوسطية، لعواصم مجموعة الدول السبع، بحكم رئاستها الدورية لتكتل، شبه منحاز لرؤية صهيونية.
الملفت في كل ما صدر –ويصدر- من موقف رسمي وإعلامي ياباني هو الإصرار على وصف زلزال “طوفان الأقصى” بتعبير الإرهاب، نتيجة لما أحدثته الانتفاضة الفلسطينية المشروعة من مساس بمن يسمون بالمدنيين الصهاينة، الذين يعيثون بالأرض المحتلة قتلا ونهبا وتنكيلا، وبعد أن سدت كل أبواب السلام الدائم والعادل.
هنا وجب تذكير الأصدقاء والزملاء في طوكيو، من اليابانيين والأجانب، بما صدر قبل أكثر من شهر، وتحديدا في أثناء انعقاد الدورة الثالثة للحوار العربي- الياباني يوم 5 سبتمبر، بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث عبرت اليابان –رسميا وعلنا وقتها- عن موقفها المتوازن، والمرجو منها، تجاه قضية العرب المركزية.
البيان المشترك الصادر عن الدورة –بحضور وزير الخارجية الياباني الأسبق هياشي يوشيماسا- أكد ضرورة تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في منطقة الشرق الأوسط، ينهي الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك، القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل، ويحل جميع قضايا الوضع الدائم، بما في ذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين، بما يتماشى مع جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي، ومبدأ “الأرض مقابل السلام”، ومبادرة السلام العربية المعتمدة في عام 2002، وحل الدولتين.
في الوقت نفسه، أكد البيان العربي-الياباني المشترك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأكد عدم شرعية الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية وأنه يجب على إسرائيل أن توقفها بالكامل وأن تمتثل لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
شدد البيان على ضرورة رفض أي عمل يحكم مسبقاً على الوضع النهائي للقدس الشرقية، والامتناع عن ممارسة أي أعمال عنف أو تحريض، وشدد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم دون تغيير بالأماكن المقدسة بالقدس المحتلة.
أعرب البيان عن القلق إزاء تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، ودعا إلى إنهاء الإغلاق الإسرائيلي المفروض على الأشخاص والبضائع، مؤكدا اعتزام مواصلة الدعم السياسي والاقتصادي لفلسطين، مع الإشادة بدعم اليابان طويل الأمد لفلسطين من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي، بما في ذلك مبادرة “ممر السلام والازدهار”، فضلاً عن التقدم المحرز في منطقة أريحا الصناعية الزراعية.
أيضا، شدد البيان على ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى أهمية دور وكالة الأونروا ودعمها مالياً، والإحاطة بتطلعات فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأعرب عن القلق إزاء بقاء الجولان السوري المحتل منذ عام 1967 تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي المستمر، مشيرا إلى قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، وأعاد التأكيد، مرة أخرى، على عدم شرعية القرار الذي اتخذته إسرائيل في 14 ديسمبر 1981 بفرض قوانينها، وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل.
هذا البيان كتبت عنه تفصيلا، في مقال لي بـ بوابة الأهرام الغراء بتاريخ 9 سبتمبر الماضي، بعنوان “حصاد وافر عربيا لصحوة ساموراي الدبلوماسية”، وأعدت ذكر بعض بنوده على مسامع من التقيتهم- وتحاورت معهم مطولا- في زيارتي لليابان.
حسنا فعلت الحكومة اليابانية بإيفاد وزيرة الخارجية، كاميكاوا يوكو، لحضور قمة القاهرة للسلام، التي استضافتها مصر أمس بمشاركة عدد من القادة والزعماء.
وفقا لما نشرته بوابة الأهرام، أكدت الوزيرة كاميكاوا أنه يجب الانصياع لقواعد القانون الدولي وإنهاء التوتر بالمنطقة في أقرب وقت ممكن، مشيرة إلى أن هناك أكثر من مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة المحتل يواجهون أصعب الحالات.
أضافت الوزيرة قائلة: “علينا تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، وأن اليابان ترحب بمبادرات خاصة بتحسين الأوضاع بغزة، والتعاون مع مصر والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات، ودعم حل الدولتين”.
كلمة وزيرة الخارجية اليابانية، وقد سبقها ما ورد في نص البيان العربي-الياباني المشترك، يمكن البناء عليهما في تحقيق التوازن المبتغى، الذي يجب أن تراعيه طوكيو تجاه قضية العرب المركزية بفلسطين، وزلزال “طوفان الأقصى” وتوابعه الإقليمية والدولية المعقدة، في مواجهة هجمة دعائية وإعلامية صهيونية شرسة.
مهمة شاقة شعرت بها هنا في اليابان، ويجب أن تخوضها الدبلوماسية العربية، بما فيها الناعمة، بما تمتلكه من كتلة سكانية تزيد على 460 مليونا، وبناتج محلي إجمالي يفوق 3 تريليون دولار، في مواجهة أدوات هجمة دعائية وإعلامية صهيونية شرسة تملأ الفضاء الياباني. وبقدر الابتهاج بتعيين مبعوث ياباني للشرق الأوسط، بوزن السفير أويمورا تسوكاسا، والاستعانة بخبير إعلامي ياباني كبير، مثل ديجاوا نبوهيسا، فإن الأمر يحتاج إلى المزيد من أمثالهم في هذه المرحلة.
kgaballa@ahram.org.eg