كمال جاب الله يكتب: مخاوف اليابان بعد مرور 12 عامًا على الكارثة

166

يوم السبت 11 مارس، حلت الذكرى الأليمة لكارثة وقوع زلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، وموجات عاتية بارتفاع 10 أمتار (تسونامي)، مما تسبب في دمار شمال شرق اليابان، ووقوع أحد أسوأ الحوادث النووية في العالم.

الإحصائيات اليابانية تقدر وفيات الكارثة بنحو 16 ألف شخص، و2523 مفقودًا، بالإضافة إلى 30884 نازحًا، واضطرار مئات الآلاف للتخلي عن سكنهم، ووقوع 3 انصهارات نووية، وانبعاث مواد مشعة، بمحطة فوكوشيما دائيتشي للطاقة النووية.

بمهارة، وبإرادة فولاذية يتمتع بها الشعب الياباني، تجاوزت بلاد الشمس المشرقة المحنة، ولم يتبق سوى تصريف مياه معالجة ومخففة من محطة الطاقة النووية المعطوبة بالمحيط، وسط معارضة محلية من قطاع الصيد، وقلق الدول المجاورة.

قلق الدول المجاورة لا يرقى إلى ما تعانيه اليابان بالفعل من مخاطر وجودية تحيط ببيئتها الأمنية، وهي لا تتوقف عند حد التهديدات الصاروخية والنووية الكورية الشمالية، بل شيوع حالة من الرعب تجاه جارتين، هما: روسيا والصين.

في استطلاع حديث للرأي أجرته مؤسسة “نيبون”، شمل ألف شاب ياباني تتراوح أعمارهم بين 17 إلى 19 عامًا، ونظرتهم للبيئة الأمنية الخطيرة التي تواجه اليابان، وكيفية تجاوزها، أنقل –حرفيا- أهم ما جاء في نتائج الاستطلاع كما يلي:

فيما يتعلق بالتهديدات التي تواجه اليابان في السنوات الخمس المقبلة، ورد في نتيجة الاستطلاع أن 51.9% من المشاركين يتوقعون اندلاع قتال وصراعات في المناطق المحيطة باليابان، وذكر 47.2% أن اليابان ستتعرض لاعتداء عسكري، وأقر 31.6% بأن القواعد الأمريكية في اليابان ستتعرض لهجوم.

احتلت كوريا الشمالية المركز الأول في قائمة الدول الأكثر تهديدًا أمنيًا لليابان، بنسبة 66.8%، تليها روسيا 54.6%، ثم الصين 45.8%. وحول السياسات الأمنية التي يجب اتباعها، من أجل الحفاظ على السلام في اليابان، اختارت الشريحة الأكبر من المشاركين بالاستطلاع الاستقرار الاقتصادي، بنسبة 26.2%، تليها المبادئ الثلاثة غير النووية 20.4%، ثم استقرار المجتمع الياباني 18.3%.

تفاصيل نتائج الاستطلاع حسب جنس المشاركين من الشباب اليابانيين، جاء فيها أن الاستقرار الاقتصادي الأكثر اختيارًا من قبل الذكور والإناث معًا، يليه -وفق رأي الذكور- تعزيز التحالف الياباني- الأمريكي، وتعزيز قوات الدفاع الذاتي، أما الإناث فقد أيدن -بقوة- المبادئ الثلاثة غير النووية، ودعم استقرار المجتمع الياباني.

وحول وجهات نظرهم حيال الأسلحة النووية، أبدت الإناث معارضة أكبر من الذكور، حيث تعارض أكثر من 80% من المشاركات في الاستطلاع كلا من الإنتاج المحلي للأسلحة النووية، وحيازة أسلحة نووية مستوردة، وذلك، عند الأخذ في الاعتبار مجموع إجاباتي معارض، ومعارض إلى حد ما.

التهديدات الصاروخية والنووية الكورية الشمالية –الوجودية- لليابان أمر أصبح ماثلا للعيان، ولا يحتاج إلى إثبات، الجديد هو تلك المخاوف والهواجس التي بدأت تلوح في سماء بلاد الشمس المشرقة تجاه كل من روسيا والصين، تحديدًا، لماذا؟

في تحليل وافٍ، نشرته هيئة الإذاعة والتليفزيون اليابانية NHK، تجيب عن السؤال الإعلامية اليابانية، يوشيدا ماييو، قائلة: “بالنسبة لروسيا، استغلّ الرئيس فلاديمير بوتين الذكرى السنوية الأولى للحرب في أوكرانيا؛ لتصعيد التهديدات النووية، والإعلان عن تعليق موسكو مشاركتها في الاتفاقية الوحيدة الباقية للحدّ من التسلّح مع واشنطن، مؤكدًا أن روسيا مستعدة لاستئناف اختبارات الأسلحة النووية إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك”.

يقول البروفيسور بجامعة ماريلاند ستيف فِتَر، وهو خبير في مجال نزع التسلّح النووي ومستشار سابق للبيت الأبيض: “إن مخاطر حدوث كارثة نووية أكبر الآن مما كانت عليه في العام الماضي، بل ربما أكبر من أي وقت مضى”.

يخشى البروفيسور فِتَر -على وجه الخصوص- من أن تعليق روسيا لاتفاقية ستارت الجديدة، وهي الاتفاقية الوحيدة بين واشنطن وموسكو، يمكن أن يمثّل أكبر تهديد يشهده العالم منذ عقود لنزع التسلّح النووي.

تُحدّد اتفاقية ستارت الجديدة سقفًا للرؤوس النووية الإستراتيجية لكل من روسيا والولايات المتحدة بحوالي 1550 رأسًا نوويًا، كما أنها تمنح كل جانب الحق في تفقّد المنشآت النووية للجانب الآخر عدة مرات سنويًا، وإن كانت تلك العملية تم إيقافها منذ عام 2020، بسبب الجائحة والحرب القائمة الآن في أوكرانيا، وبدونها لن تكون هناك قيود ولا شفافية للحدّ من التسلّح بين القوتين النوويتين الأكبر، اللتين تمتلكان ما يزيد على 90% من الرؤوس النووية الموجودة في العالم.

فيما يتعلق بالصين، ذكرت الإعلامية يوشيدا أن خبراء آخرين يخشون من احتمال أن تؤثّر تعليقات بوتين على قوة نووية متعاظمة هي الصين، وطبقًا لوزارة الدفاع الأمريكية فإن الصين لديها في الوقت الحاضر ما يزيد على 400 رأس نووي، ولديها خطة لزيادة المخزون إلى ثلاثة أمثال، خلال الاثنتي عشرة سنة المقبلة.

تقول البروفيسورة شارون سكواسوني، وهي مختصّة في الحدّ من التسلّح وأستاذة باحثة في الشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن: “إن ذلك يمثّل تهديدًا جديدًا لنزع التسلّح، وأظنّ أن الصينيين قرّروا أنهم بحاجة لمزيد من القوات، بسبب تطوّرات في الولايات المتحدة يرون فيها تهديدًا لهم، كما أن بكين ربما ترى في التوتّر المتصاعد بين واشنطن وموسكو سببًا للاستمرار في بناء ترسانتها”.

تضيف: “كانت الصين لسنوات طويلة قد أعلنت أنه عندما تقوم القوات الأمريكية والروسية بخفض أعدادها فستكون حينذاك مستعدة للانخراط في الحدّ من التسلّح، وكون الولايات المتحدة وروسيا عالقتين بطريقة ما في الوقت الحاضر يعني في اعتقادي أنها -أي الصين- تعتبر نفسها غير ملزمة بأي ضوابط”.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.