كمال جاب الله يكتب: محاكاة جنونِيَّة بالشمال لحرق الجنوب بالنووي

377
المُتابِع عن قرب لتفاصيل التطورات الأمنية المتفاقمة، والمتسارعة accelerated، بشبه الجزيرة الكورية Korean Peninsula، وفي محيطها الإقليمي، سوف تتسرب إلى نفسه ـ حتمًا – مشاعر مُقبضة depressive، وكأن ساعة القيامة Doomsday hour قد باتت قريبة جدًّا – لا قدر الله – بهذه المنطقة الحيوية من العالم.
وكالة الأنباء الكورية، يونهاب، بثت بعد ظهر يوم الخميس الماضي فيلمًا تسجيليًّا مدته دقيقتان، لقيام الزعيم، كيم جونج أون، بتفقد تدريب لمركز القيادة، شارك فيه الجيش الكوري الشمالي بأكمله، محاكاة simulation (بروفة) لاكتساح أراضي الشطر الجنوبي.
للمرة الأولى على الإطلاق منذ تنصيب الزعيم كيم، يعلن الجيش الكوري الشمالي عن إجراء مناورة “تكتيكية” Tactical maneuver وتدريبات قيادة عسكرية بهذا الحجم، تحاكي تدمير قيادة رئيسية ومطارات، استعدادًا لشن هجوم عسكري كاسح ضد نظيره الجنوبي.
اللقطات التي ظهرت في الفيلم التسجيلي بثَّت عروضًا لطائرات مقاتلة وصواريخ من مختلف الطرازات والأحجام وطلقات مدفعية تملأ سماء شبه الجزيرة الكورية، بالإضافة إلى قيام الزعيم كيم -بنفسه – بتفقد الخرائط والمواقع المستهدف قصفها.
هيئة أركان الجيش الشمالي أعلنت أن وحدة العمليات “النووية التكتيكية” نفَّذت ـ بشكل صحيح – مهمة الضربة النووية من خلال رشقات جوية على ارتفاع – محدَّد مُسبقًا – يبلغ 400 متر فوق شبه الجزيرة الكورية، وإجراء التدريبات على افتراض أن قواعد القيادة الرئيسية والمطارات بـ كوريا الجنوبية “سيتم إحراقها على الأرض”، مع إطلاق صاروخين باتجاه المحيط من مطار بيونج يانج الدولي Pyongyang International Airport “.
وكالة الأنباء الكورية الشمالية ذكرت أن محاكاة احتلال أراضي الشطر الجنوبي تأتي احتجاجًا على ما وصفتها بأنها “تدريبات مشتركة واسعة النطاق واستفزازات للغاية، تحاكي حربًا هجومية شاملة ضد بيونج يانج، قد تشنها واشنطن وسول، فضلًا عن قيام القوات الجوية الأمريكية بنشر قاذفة إستراتيجية من طراز B-1B”.
كوريا الجنوبية أدانت – بشدة – نيات جارتها الشمالية “الصريحة” بشن هجوم عسكري واسع يستهدف احتلال أراضي الشطر الجنوبي بالكامل، وإحراق مراكز القيادة والمطارات، مؤكدة “أن التدريبات العسكرية المشتركة بين سول وواشنطن ذات طبيعة دفاعية، وأنه كلَّمَا زاد هَوَس Obsession كوريا الشمالية بالتهديدات والاستفزازات، واجهت رُدُود فعل ساحقة من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان”.
رد فعل سول لم يتوقف عند حد إدانة استفزازات الشطر الشمالي، بل أجرت كوريا الجنوبية تدريبات عسكرية – واسعة النطاق wide scale- وقامت بتعبئة مئات المركبات المدرعة ومدافع “هاوتزر” ذاتية الدفع وآلاف الجنود، بالمناطق الحدودية، بالتزامن مع مناورات “أولتشي فريدوم شيلدز” السنوية المشتركة بين سول وواشنطن.
في الوقت نفسه، أصبح الجنرال أنطوني جاي كوتون، أول قائد للقيادة الإستراتيجية الأمريكية يزور مخبأ كوريًا جنوبيًا في زمن الحرب، وذلك خلال اجتماعه يوم الخميس الماضي مع رئيس هيئة الأركان الكورية الجنوبية، الجنرال كيم سيونج-جيوم، بـ مخبأ B-1 بمقر قيادة وزارة الدفاع الكورية الجنوبية بالعاصمة، سول.
الجنرال كوتون، قائد الوحدة العسكرية الرئيسية المسئولة عن الترسانة النووية الأمريكية، أكد – في تصريح بـ سول – أن التزام واشنطن بالردع الموسع Extended deterrence
ضد بيونج يانج لا يتزعزع وأن قيادته تحافظ على وضع الاستعداد التام للتنفيذ عند الضرورة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن كان قد حذر من أن “النظام الكوري الشمالي سيواجه نهايته في حالة قيامه بأي هجوم نووي”، لذلك، توظف الولايات المتحدة كل قدراتها العسكرية، بما في ذلك النووية، حسب مفهوم “الردع الموسع Extended deterrence”، لدرجة تجعل كوريا الشمالية لا تجرُؤ على استخدام الأسلحة النووية ضد جارتها الجنوبية.
وزير دفاع كوريا الشمالية، كانج سون-نام، رد على بايدن بقوله: “أُحذِّر واشنطن وسول – وقد تجاوزتا الخط الأحمر – وهم يروِّجُون بجرأة لِمَا وصفوه بنهاية النظام في بلادنا، وأن أي استخدام لقوتهما العسكرية ضد بيونج يانج سوف يكون أسوأ خيارٍ لهما، ولن يكون لديهما من خلاله مجال للتفكير في وجودهم مرة أخرى”.
طوكيو تراقب عن كثب تهديدات بيونج يانج النووية والصاروخية “الهستيرية Hysterical” ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وصولًا لليابان نفسها، ليس ـ فقط – بحكم التحالف الأمني الثلاثي مع سول وواشنطن، ولكن – أيضًا – لدور اليابان في ردع الغزو الكوري الشمالي لأراضي الشطر الجنوبي، من خلال توفير 7 قواعد خلفيَّة لقيادة الأمم المتحدة التي تشرف على اتفاقية هدنة الحرب الكورية 1950-1953م.
الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك-يول دعا إلى تعزيز التعاون الأمني الثلاثي بين سول وطوكيو وواشنطن في مجالات الاستطلاع وتبادل بيانات الأسلحة النووية والصاروخية الكورية الشمالية -لحظيًّا وفور حدوثها- من أجل التصدي للتهديدات.
منذ أيام قليلة، وتحت عنوان “نقطة تحول في سياسة اليابان الدفاعية” نشر الموقع الإلكتروني الياباني “نيبون دوت كوم” مقابلة على درجة كبيرة من الأهمية مع البروفيسور جيمبو كين، خبير السياسات الدفاعية بجامعة كيبو اليابانية.
البروفيسور كين تحدث – بإسهاب – عما تضمنته النسخ الأخيرة من وثائق الأمن القومي الياباني الأساسية، الصادرة في شهر ديسمبر من العام الماضي، وهي: استراتيجية الأمن القومي، استراتيجية الدفاع القومي، وبرنامج تعزيز القدرات.
يقول البروفيسور كين نصًّا: “شهدت البيئة الأمنية المحيطة باليابان تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة، وما زالت تتغير، كانت الولايات المتحدة في إحدى الفترات تتمتع بتفوق عسكري ساحق، وكانت اليابان نفسها تتمتع بأفضلية على الصين.
وكان يُفترض حتى عام 2005م تقريبًا أنه يمكننا الحفاظ على الهيمنة البحرية والتفوق الجوي، وكانت استراتيجيتنا الأمنية مرتكزة على هذا الافتراض، ولكن لم يعد ذلك هو الحال بعد الآن، وأعتقد أن الوثائق الإستراتيجية اليابانية الجديدة هي محاولة لمواجهة هذا الواقع بشكل مباشر وتعكس ضرورة إجراء تحول جوهري”.
يضيف: “المناقشات اليابانية السابقة حول تطوير قدرة لشن هجوم على قاعدة للعدو كانت موجهة نحو كوريا الشمالية، لكن التفكير الذي قاد إلى استراتيجية الدفاع اليوم يختلف عن التخطيط الدفاعي في العقد الماضي، فقد باتت إستراتيجية الدفاع القومي برنامجًا يهدف إلى تجهيز اليابان للوقوف في وجه الصين”.
بدخول الصين إلى جانب كوريا الشمالية – وكذلك روسيا إذا جاز التعبير – ضمن دوائر التهديدات المحيطة للبيئة الأمنية باليابان وفقًا للبروفيسور كين، تتسع محاور المواجهة في منطقة آسيا والباسفيك بأكملها، وليس فقط بشبه الجزيرة الكورية.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.