كمال جاب الله يكتب: «ماركو الصغير» نذير شؤم للجزيرة الكاريبية
هو الحالم برئاسة كوبا، حيث مسقط رأسه وعائلته، وبات نذير شؤم لشعب الجزيرة الكاريبية، بعد أن رشحه الرئيس الأمريكي ترامب، في ولايته الثانية، لقيادة دفة الدبلوماسية، متراجعًا عن وصف سابق له (وساخر جدًا) باسم “ماركو الصغير”!
التوقعات تشير إلى أن 3 دول أمريكية لاتينية، تحديدًا: كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا، سوف تصبح الأكثر تضررًا من عودة ترامب، وإن كان النصيب الأوفر -من الضرر- سيلحق بكوبا، المجاورة جدًا لأمريكا، والمحاصرة -إلى حد الاختناق- منذ 6 عقود.
الحصار المفروض على كوبا، فرضه الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كينيدي عام 1962، بهدف الإطاحة بنظام الزعيم كاسترو، ومنذ عام 1992، تقدم كوبا اقتراحًا -سنويا- إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإدانة وإلغاء الحظر التجاري، وتؤيد الغالبية العظمى من دول العالم وضع حد للعقوبات الظالمة، خاصة دول أمريكا اللاتينية، كما رفع الاتحاد الأوروبي عقوباته عن كوبا في عام 2008.
قرار كينيدي بفرض حظر على كوبا جاء بنتائج عكسية، وقتها، حيث دعمت كوبا علاقتها بالاتحاد السوفيتي، واتفقا على وضع صواريخ في الجزيرة، مما أدى إلى حدوث أخطر أزمة عالمية، كادت أن تؤدي إلى نشوب حرب نووية، ولكن بتفهم الطرفين، وخاصة الاتحاد السوفيتي، لخطورة الموقف، جرى التوافق على حل وسط، تم بموجبه تفكيك الصواريخ، مع ضمان عدم التدخل في الشئون الكوبية.
ظلت العقوبات الأمريكية قائمة، بل فرضت واشنطن المزيد منها برغم انفرادها بقيادة النظام العالمي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، إذ قامت في عام 1992 بتطبيق قانون “هلمزوبيرتون”، الذي يمد العقوبات للأطراف الثالثة المتعاملة مع كوبا، وكذلك تطبيق قانون “الديمقراطية الكوبية”، وينص على استخدام العقوبات “ما دامت حكومة كوبا لا تتجه نحو الديمقراطية”، وسمح التنفيذ منذ مايو عام 2019 لأي مواطن أمريكي بالمطالبة أمام محاكم بلاده بالممتلكات التي صادرتها الحكومة الكوبية منذ ولادة الثورة في عام 1959، وبرغم ذلك ظل الموقف الكوبي كما هو.
تحت ضغط جماعات المصالح للمزارعين الأمريكيين، اتجهت الإدارة الأمريكية لتخفيف العقوبات، خاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية، ومثل عام 2014 نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات الكوبية-الأمريكية، مع إعلان الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وهافانا، بل قام بزيارة كوبا، والتقى بالرئيس الكوبي آنذاك، راؤول كاسترو، وتم خفض مزيد من قيود الحصار.
في نهاية عام 2017، وفي أثناء ولايته الأولى، قام الرئيس ترامب، بإعادة القيود التي كانت مفروضة في الحظر على التجارة والسفن، وإضافة 243 إجراءً جديدًا، ومع مجيء الرئيس جو بايدن إلى الحكم، فرض المزيد من القيود على كوبا، إرضاء لأصوات الناخبين من الجالية الكوبية-الأمريكية المتطرفة في ولاية فلوريدا.
إلى جانب ذلك، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية -بشكل أحادي وغير عادل وتعسفي- اسم كوبا بقائمة الجهات التي يزعم أنها ترعى الإرهاب، مما فاقم من قسوة الحصار، لأن هذا الإجراء يقيد الصادرات، ويلغي الحصول على الائتمان من المؤسسات المالية، ويحد من فرص منح المساعدات الاقتصادية الدولية لكوبا.
تقديرات ستة عقود من الحصار، والخسائر التي لحقت بكوبا بسببه، تصل إلى نحو 144 مليارًا و414 مليون دولار، ومع الأخذ في الاعتبار انخفاض قيمة الدولار مقابل الذهب في السوق الدولية، فقد تسبب الحصار في إجمالي خسائر، دفع ثمنها الشعب الكوبي، يمكن تقديرها بأكثر من تريليون و98 مليارًا و58 مليون دولار.
تلك هي حصيلة 6 عقود من الحصار الظالم الذي تفرضه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد يصل إلى حد ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ضد شعب كاريبي أعزل، ومكافح، اختار نهجا مختلفا لتحقيق تطلعاته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتناسب مع طموحات ثورته ضد الاستغلال والهيمنة الأمريكية.
نذير الشؤم، الذي أشرت إليه في بداية المقال، يكمن -بلا ريب- فيما هو آت من مصائب للجزيرة الكاريبية المسالمة، حيث وقع اختيار الرئيس ترامب على السيناتور ماركو روبيو، أحد أبرز أبناء الجالية الكوبية المتطرفة، والمقيمة بولاية فلوريدا، ليقود الدبلوماسية الأمريكية في المرحلة المقبلة، فمن هو ماركو روبيو؟
ولد ماركو روبيو بميامي في 28 مايو عام 1971، من والدين كوبيين، هاجرا من كوبا هربًا من الفقر.
الوالد كان يعمل نادلا بأحد الفنادق والأم كانت عاملة تنظيف، وسط الجالية الكوبية في ميامي، وكتب في سيرته الذاتية “ابن أمريكي” التي صدرت في 2012، نصًا: “أنا ابن مهاجرين منفيين من بلد كان يشهد اضطرابات، لقد أعطياني كل ما كان في وسعهما أن يعطياني إياه، وأنا البرهان على نجاحهما”.
اجتذبت السياسة ماركو روبيو، الذي تأثر كثيرًا بجده الكوبي المدمن على تدخين السيجار، وبات من أنصار تيد كينيدي، ثم وقع في سحر رونالد ريجان، واكتشفه الأمريكيون في عام 2010، لدى انتخابه المدوي في مجلس الشيوخ، وكان من الأشخاص الذين يقال لهم مبكرًا أنه سيصبح أول رئيس من أصول أمريكية لاتينية.
خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016، ترشح روبيو ضد ترامب، ووصف الأخير بأنه “محتال” قبل أن ينسحب بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية بفلوريدا، وفي نهاية المطاف، أيد روبيو الرئيس ترامب، وكان داعمًا –بقوة- لسياساته خلال فترة ولايته الأولى، حيث عمل كمستشار غير رسمي للاستراتيجية الخاصة بأمريكا اللاتينية، ووصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “وزير خارجية افتراضي” للإدارة.
عام 2024، أيد روبيو ترشيح ترامب، وكان ضمن القائمة المختصرة للمرشحين كنائب للرئيس، قبل أن يختار ترامب- في النهاية- السيناتور جي دي فانس؛ لأنه معروف بتأييد سياسة التدخل، ينحاز ماركو روبيو من أجل حضور قوي للولايات المتحدة في العالم، وفي السنوات الأخيرة، دعا إلى سياسة خارجية قوية فيما يتصل بأعداء أمريكا الجيوسياسيين، بما في ذلك كل من كوبا والصين وإيران.
من خلال اختيار روبيو لتولي دور سياسي رئيسي، قد يساعد ترامب في تعزيز المكاسب بين اللاتينيين، وتوضيح أن لديهم مكانًا على أعلى المستويات في إدارته.
يميل العديد من المسئولين القدامى بوزارة الخارجية الأمريكية إلى احترام خبرة روبيو الواسعة في السياسة الخارجية، ويرون أنه من غير المرجح أن يسيّس دور وزير الخارجية بشكل مفصل، وفي مقابلة أجريت معه بعد فوز ترامب، قال: “إن الولايات المتحدة تدخل حقبة من السياسة الخارجية البرجماتية، وأن العالم يتغير بسرعة، فالخصوم يتحدون ـ في كوريا الشمالية وإيران والصين وروسيا ـ ويزيدون من التنسيق فيما بينهم، ويتطلب الأمر منا أن نكون عمليين للغاية”.
هكذا يبدو اختيار ماركو روبيو لشعب جزيرة كاريبية صغيرة، فأين موقعنا يا ترى؟
kgaballa@ahram.org.eg