ماذا بعد قيام كوريا الشمالية أمس الأول- السبت – بإطلاق صاروخ باليستي، عابر للقارات، من طراز هواسونج-15، في تدريب مفاجئ، يهدف إلى -ما تسميه- “ضمان قوة الردع النووية، وردًا قويًا وساحقًا على أي أعمال عدائية ضد البلاد”؟
هذا الصاروخ الباليستي عابر القارات – الذي بمقدوره الوصول إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة – قطع مسافة 989 كيلو مترًا، لمدة 4015 ثانية، وبلغت ذروة ارتفاعه 5768 كيلو مترًا، وسقط في البحر، وهو الثاني بعد مرور 48 يومًا من إطلاق بيونج يانج لصاروخ باليستي قصير المدى في الأول من شهر يناير الماضي.
في العام الماضي، أطلقت كوريا الشمالية 80 صاروخا باليستيا، بما فيها 8 عابرة للقارات، وهو أكبر عدد في عام واحد، وفي بيان أخير، حذرت بيونج يانج سول وواشنطن، بإجراءات قوية-بشكل غير مسبوق- إذا واصلتا التدريبات المشتركة.
بعد يوم واحد من قيام بيونج يانج بإطلاق الصاروخ عابر القارات الأخير، أجرت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مناورات جوية مشتركة، شملت قاذفة أمريكية إستراتيجية، لإظهار “إدارة أصول الردع الموسع، بما فيها القدرات النووية”.
وبعد غد الأربعاء، تجري سول وواشنطن تدريبات إضافية لإدارة وسائل الردع الموسع “فول إيجل”، التي توقفت إبان الحكومة الكورية الجنوبية السابقة على أمل تحسين العلاقات بين الكوريتين، وفي منتصف مارس المقبل، ولمدة 11 يوما، ستجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مناورات عسكرية، باسم درع الحرية “فريدم شيلد”، في مواجهة قيام بيونج يانج باستفزازات صاروخية ونووية.
أمن واستقرار اليابان ليس بمنأى عن مسرح التوتر المتصاعد في شبه الجزيرة الكورية، فقد حضر وزير خارجيتها، هاياشي يوشيماسا، اجتماعًا ثلاثيًا يوم أمس الأول، بمشاركة نظيريه الكوري الجنوبي والأمريكي، بارك جين وأنتوني بلينكن.
الوزراء الثلاثة أدانوا قيام بيونج يانج بإطلاق الصاروخ هواسونج-15، الذي يعتقد أنه سقط في منطقة المنفعة الاقتصادية والحصرية لليابان، وصرح هاياشي بأن مدى الصاروخ الكوري الأخير قد يغطي البر الرئيسي الأمريكي بأكمله، مؤكدا أن عملية الإطلاق تعد عملا مشينا، وغير مقبولة -على الإطلاق- من المجتمع الدولي.
في الوقت نفسه، قررت اليابان تشكيل مقر للأزمة بمكتب رئيس مجلس الوزراء، كيشيدا فوميئو، وطلبت الحكومة من الطائرات والسفن إبلاغ الجهات الأمنية بالمعلومات، في حالة العثور على شظايا صاروخ ساقطة، دون الاقتراب منها.
مياموتو ساتورو، الأستاذ بجامعة سيجاكوئين اليابانية، والمتخصص في السياسة الدولية وقضايا الأمن والدراسات الكورية، كشف عن وجود خطة دفاعية كورية شمالية لتطوير السلاح، كجزء من خطتها الاقتصادية الخمسية، تبنتها في 2021.
يقول مياموتو: “من بين العناصر التي تم الكشف عنها، صاروخ يضرب ويقضي على أي أهداف إستراتيجية في نطاق 15 ألف كيلومتر، ورؤوس حربية انزلاقية تفوق سرعة الصوت، وصاروخ باليستي عابر للقارات، يعمل بمحرك بالوقود الصلب، وسلاح نووي إستراتيجي، يطلق تحت الماء، أي من الغواصات”.
يضيف الخبير الياباني، نصًا: “توضح سياسة بيونغ يانغ، المتمثلة في تصعيد تطوير وإنتاج الصواريخ، أنها تفكر – بجدية – في سيناريوهات استخدام الأسلحة النووية في النزاع، مما يجعلها في نطاق إستراتيجيتها النووية المعلنة، وسيستمر تطويرها المتنوع لأنظمة الصواريخ، على الأقل حتى عام 2025، العام الأخير من خطة الدفاع الخمسية الحالية، مع توقع اختبارات لأسلحة نووية أخف وأصغر”.
طبول الحرب النووية والصاروخية التي تدوي في شبه الجزيرة الكورية، وامتد صداها إلى دول الجوار، وفي مقدمتها اليابان، أشعل فتيلها التقرير، الذي أصدرته وزارة الدفاع الكورية الجنوبية يوم الخميس الماضي، بوصفه للنظام في بيونج يانج وجيشه على أنهما عدو، في ضوء تصعيدهما التهديدات النووية والصاروخية.
أرجعت وزراة الدفاع الكورية الجنوبية السبب في إعادة استخدام مصطلح العدو لوصف كوريا الشمالية، إلى قيام بيونغ يانغ بتأكيد مساعيها لفرض الشيوعية في شبه الجزيرة الكورية، وذلك في التعديل الذي أجرته على مقدمة قواعد حزب العمال الحاكم في عام 2021، ووصفها كوريا الجنوبية بـالعدو الواضح.
فيما يتعلق بالأنشطة النووية لكوريا الشمالية، قدر التقرير أن الشطر الشمالي يمتلك 70 كيلوجرامًا من البلوتونيوم، ارتفاعًا من 50 كيلوجرامًا في السابق.
ويتطلب صنع قنبلة نووية واحدة 6 كيلوجرامات من البلوتونيوم، في الوقت نفسه، تمتلك بيونج يانج كمية كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، ويتطلب إنتاج قنبلة نووية واحدة 15 كيلوجرامًا إلى 20 كيلوجرامًا من اليورانيوم عالي التخصيب.
تضمن التقرير سلسلة من الصواريخ الكورية الشمالية الجديدة، بما في ذلك صاروخ هواسونغ- 17 العابر للقارات، والصواريخ التكتيكية قصيرة المدى، في تحليل لمخزون الأسلحة المتزايدة في الشمال، وسلط الضوء-أيضًا- على المساعي المستمرة لكوريا الشمالية لتطوير صواريخ باليستية، تعمل بالوقود الصلب بدقة أكبر، وقدرات محسنة لتجنب الاعتراض.
ذكر التقرير إن بيونغ يانغ واصلت تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية، التي تعمل بالوقود الصلب، والتي تعتبر أكثر فائدة من الصواريخ الباليستية، التي تعمل بالوقود السائل من حيث عملها التشغيلي.
تناول التقرير مقارنة بين قوة الجيش الكوري الجنوبي ونظيره الشمالي، من حيث القوة العسكرية، وقدر قوام الجيش الفعلي لكوريا الجنوبية بنحو 500 ألف جندي، انخفاضًا من 555 ألفا في عام 2020، بينما بلغ الرقم المقابل لجيش كوريا الشمالية 1.28 مليون جندي، وهو الرقم المسجل بالتقارير لعامي 2018 و2020.
يأتي تخفيض القوات في الشطر الكوري الجنوبي، في الوقت الذي يسعى فيه جاهدًا لجعل جيشه أقل عددًا، ولكنه أكثر ذكاء، استنادًا إلى التكنولوجيا المتطورة، وسط احتمالات نقص القوات، بسبب انخفاض معدل المواليد في كوريا الجنوبية.
أيضًا، أوضح التقرير إن كوريا الجنوبية لديها 2200 دبابة و90 سفينة قتالية سطحية و10 غواصات، بينما وصلت الأرقام المقابلة لكوريا الشمالية إلى 4300، و420، و70، على التوالي.
kgaballa@ahram.org.eg