بعد غياب 18 سنة أعود إلى جمهورية كوريا زائرًا، لأرى بعيني تقدمًا مذهلًا حققته، تلك الدولة الآسيوية الصاعدة والملهمة، مقارنة بمشاهدات زيارات سابقة (2002-2004-2006) في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في الطريق إلى كوريا، تلقيت عدة أسئلة من الأخ الأكبر، قنصل مصر العام الأسبق بالصين، السفير عبدالفتاح عز الدين، متشوقًا للإجابة عنها، أهمها: “ما هي العوامل الرئيسية لتقدم كوريا الجنوبية؟ وما هو التصور لدور سول المستقبلي”؟
الرئيس الكوري الراحل، روه مو-هيون كان قد أجاب على السؤال الأول في حديث أجريته معه ونشرته “الأهرام” بتاريخ 6 مارس عام 2006، قائلا: “لقد استمرت كوريا في تحقيق النمو الاقتصادي خلال العقود الماضية، متغلبة على ضيق الأراضي الوطنية وندرة الموارد الطبيعية، وأصبحت تتمتع بالقدرة التنافسية في صناعات رئيسية عالمية، مثل: صناعة الإلكترونيات والسيارات وبناء السفن والحديد والصلب، وباتت تحتل المركز الـ 11 عالميًا، من حيث الاقتصاد الكلي”.
وفقًا للرئيس روه مو-هيون، يكمن سر النجاح والتقدم الكوري المبهر- المشار إليه بمعجزة على نهر الهان- “في اتخاذ سياسات اقتصادية كورية حكيمة، هادفة لزيادة الصادرات، ودعم الصناعات الإستراتيجية، والتركيز على تنمية الموارد البشرية”.
وقتها، وجه الرئيس الكوري الراحل النصح لقادة الدول النامية برفع القوة الدافعة للنمو الاقتصادي، من خلال الشراكة الفعالة بين الحكومة والقطاع الخاص، مؤكدًا استعداده الشخصي لتقديم تجربة كوريا، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بهدف الاستفادة منها والاقتداء بها، وتحديدًا، بمجالي التعليم والتدريب بالدول الإفريقية”.
أعود إلى زيارتي الأحدث لجمهورية كوريا، المتزامنة مع التحضيرات الحثيثة في سول لعقد القمة الإفريقية – الكورية الأولى، حيث حرص المنظمون للبرنامج -بذكاء- أن يشتمل على كل ما هو جديد، من مظاهر التقدم الحضاري والعلمي والتعليمي والتكنولوجي، لتصبح كوريا -بحق- النموذج الأمثل لدولة مدنية -ديمقراطية- حديثة.
من شرفة برج “لوتي وورلد” -وهو عبارة عن ناطحة سحاب عملاقة بطول 555 مترًا- ربما تتاح للزائر فرصة الإطلالة الاستشرافية، على ما حققته كوريا من نهضة اقتصادية واجتماعية، تعلوها مظلة من الحرية والشفافية والابتكار وسيادة القانون.
في عام 2022، بلغ متوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية 32886 دولارًا سنويًا، في حين كان يبلغ 254 دولارًا -فقط- في عام 1970، وحسب تصريحات منسوبة للرئيس الكوري، يون صوك-يول، يمكن الوصول به لمتوسط 50 ألف دولار سنويًا.
سجل مؤشر كثافة الروبوتات بكوريا الجنوبية أعلى مستوى له في العالم، ويعتمد عليها في حالة نقص القوى العاملة البشرية، وتحقق زيادة الإنتاجية في الصناعات المختلفة، وخاصة التحويلية، بالإضافة إلى زيادة كفاءة العمل بما يصل إلى 5 مرات، والجمع بين روبوتات مجهزة بوظائف مضادة للتصادم والقوى العاملة.
احتلت كوريا الجنوبية المركز التاسع في العالم من حيث احتياطيات النقد الأجنبي، حيث بلغت 413.26 مليار دولار في نهاية شهر مارس الماضي، منها 89.7% قيمة أوراق مالية أجنبية، بالإضافة إلى ودائع وحقوق سحب خاصة وسبائك ذهبية.
تسعى كوريا الجنوبية لتصبح ضمن أكبر 5 دول مصدرة في العالم بحلول 2026، وفيما كان حجم تجارتها الخارجية 500 مليار دولار فقط في 2005، تجاوزت حاجز التريليون دولار في عام 2021، وبلغت عائدات الصادرات 680 مليارًا في 2022.
تتبع الحكومة الكورية الجنوبية منهجًا صارمًا من أجل إرساء سيادة القانون بين العمل والإدارة، للقضاء على توريث الوظائف، في ضوء قيام بعض المؤسسات والشركات المختلفة بمنح معاملة تفضيلية لأبناء الموظفين الحاليين والمتقاعدين.
من المتوقع أن ينخفض عدد سكان كوريا الجنوبية من حوالي 51.6 مليون نسمة حاليًا، إلى حدود 36.2 مليون، مع زيادة نسبة كبار السن (65 سنة فيما فوق) إلى 47.7%، بحلول عام 2072. لذلك، قرر الرئيس يون إنشاء وزارة تخطيط للتغلب على مشكلة انخفاض الخصوبة بكوريا، يتولى قيادتها نائب لرئيس مجلس الوزراء.
هذه هي بعض مؤشرات النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها جمهورية كوريا، وهي تتأهل لاستضافة القمة الأولى مع إفريقيا، في يومي الرابع والخامس من شهر يونيو المقبل، ويظل هناك جانب مؤلم، يتطلع الكوريون إلى وضع حد له.
kgaballa@ahram.org.eg