كمال جاب الله يكتب: في انتظار الانفجار النووي السابع

101

حتى كتابة هذه السطور، ينتظر المراقبون للشأن الكوري -بفارغ الصبر- مدى صدق توقعات البعض منهم، بأن يقوم الزعيم كيم جونج أون، بإجراء تجربته النووية السابعة ضمن حساباته المعقدة، وترحيبًا بفوز -صديقه- ترامب بفترة رئاسية ثانية!

أيضا، ينتظر المراقبون، بفارغ الصبر، أية إشارات أو علامات لردود فعل، تصدر من العاصمة الكورية الشمالية، بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فيما كانت بيونج يانج قد استبقتها -بساعات قليلة- بإطلاق رشقة من الصواريخ، أحدثها العابر للقارات هواسونج 19، بمدى يصل إلى أراضي الولايات المتحدة.

هل ستكتفي كوريا الشمالية بما ذكرته وكالة أنبائها المركزية في شهر يوليو الماضي “بأنها لا تهتم بمن سيفوز بالرئاسة في الولايات المتحدة، لأن المناخ السياسي لا يتغير” في تعقيب، وقتها، على ترشيح ترامب وإبراز صداقته مع كيم؟

في السابق، تبادل كيم وترامب الرسائل، فهل يفعلها الزعيم الشمالي -ثانية- بتوجيه برقية تهنئة للرئيس الأمريكي المنتخب؟ أم يختار عدم رفع توقعات مواطنيه بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن، ويكتفي بتوجيه رسائل صاروخية ونووية بديلة؟!

قياسًا بانتخابات رئاسية أمريكية مماثلة، التزمت وسائل الإعلام الكورية الشمالية الصمت لأكثر من شهرين، عندما فاز بايدن عام 2020، وعلقت -بعد مرور 11 يومًا وبشكل غير مباشر- على فوز ترامب بولايته الأولى (2016)، بتوجيه انتقاد إلى رسالة تهنئة، وجهتها له، رئيسة كوريا الجنوبية السابقة بارك كون-هيه، في حين اكتفت بيونج يانج، بالتنويه -باقتضاب وبعد مرور 4 أيام- على فوز أوباما بولايتين.

في كل الأحوال، أزعم بأن كيم جونج أون قد شعر بالارتياح، عقب الإعلان التاريخي بفوز دونالد ترامب، مهما أظهرت وسائل إعلام الزعيم من عدم اهتمام، لماذا؟ لأن كل التوقعات تشير إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب، البارع في عقد الصفقات، مصمم على وضع حل جذري -بأي ثمن- للمعضلة النووية بشبه الجزيرة الكورية.

الدليل، برز خلال حملته الانتخابية، حيث تباهى ترامب -مرارًا وتكرارًا- بـ “رسائل المحبة” وعلاقاته الشخصية مع كيم وتوقعه بأن الزعيم الشمالي قد يرغب في رؤيته يعود لمنصبه، وفي خطاب ألقاه لقبول ترشيح الحزب الجمهوري، قال ترامب، نصًا: “لقد انسجمت معه، وأوقفنا إطلاق الصواريخ من كوريا الشمالية، والآن، عادت كوريا الشمالية إلى العمل مرة أخرى، ولكن عندما نعود إلى البيت الأبيض، فإنني سأتفاهم معه، لا بد أنه يود أن يراني أيضًا، وأعتقد أنه يفتقدني، ومن الجيد أن أكون على وفاق مع شخص لديه الكثير من الأسلحة النووية”!!

خلال ولايته الأولى، اتبع ترامب ما يمكن وصفه بـ “نهج دبلوماسي غير تقليدي من أعلى إلى أسفل” مع الشطر الكوري الشمالي، وعقد 3 اجتماعات قمة مع الزعيم كيم، بما في ذلك أول قمة ثنائية على الإطلاق في سنغافورة عام 2018.

في القمة الثالثة والأخيرة بالعاصمة الفيتنامية هانوي في فبراير عام 2019 -التي انتهت دون التوصل إلى اتفاق- عرض الزعيم الكوري الشمالي تفكيك مجمع يونجبيون النووي الأساسي، ويبدو أن ترامب أراد المزيد من التنازلات، حيث رأت واشنطن أن المجمع ليس سوى جزءٍ واحدٍ من البرنامج النووي الواسع للشمال.

طوال أربع سنوات أمضاها بايدن بالمكتب البيضاوي، سعت إدارته -بإلحاح- لإجراء حوار، بدون شروط مسبقة، مع بيونج يانج، غير أن الأخيرة لم تستجب، وواصلت برامجها الصاروخية، المتوسطة وعابرة القارات، وتهديداتها النووية.

وفقًا لمحللين بسول، يسود الاعتقاد بأن عزوف بيونج يانج عن الحوار مع واشنطن إبان ولاية بايدن، إنما يعود لترتيبات توقيع معاهدة دفاع متبادل، ضمن شراكة إستراتيجية شاملة مع روسيا، والحفاظ على علاقة طويلة الأمد مع بكين.

يرى المحللون أنه “إذا استؤنفت المفاوضات النووية بين واشنطن وبيونج يانج، بعد تسلم ترامب ولايته الثانية، قد تكون المساومة أصعب بكثير من ذي قبل، نظرًا للاعتقاد بأن الشمال أحرز تقدمًا في إنتاج وتحسين الرؤوس النووية، ومركبات إيصالها، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وكذلك إنتاج الأسلحة النووية التكتيكية، التي من الممكن استخدامها ضد حلفاء الولايات المتحدة بجميع أنحاء منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وتحديدًا، في كوريا الجنوبية واليابان”.

في الوقت نفسه، ذكر تحليل لموقع ناشيونال إنترست National Interest الأمريكي، أنه “من موقع القوة فقط يمكن أن تصبح شراكة دبلوماسية محدودة بين واشنطن وبيونج ذات مصداقية، ومقيدة بحقيقة مفادها أن كوريا الشمالية لن تقبل نزع سلاحها النووي بالكامل، وسيتعين على الولايات المتحدة أن تتعايش مع كوريا الشمالية كدولة نووية، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وهو ما قد يؤدي إلى سلسلة من الانتشار النووي بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي وقد يمتد إلى جنوب آسيا”.

براعة الرئيس ترامب في عقد الصفقات، من موقع القوة، أو بغيرها، وفي الملف النووي الكوري الشمالي تحديدًا، يجب أن يضع في الاعتبار حليفتين رئيسيتين في شمال شرق آسيا، هما سول وطوكيو، ليس -فقط- لما يجمعهما مع واشنطن من مشاركة في القيم، بل -أيضًا- في ضوء تعاون أمني ثلاثي “مستجد” لتعزيز الردع.

كثيرة هي المخاوف التي ترددت أصداؤها بكل من كوريا الجنوبية واليابان، قبل -وبعد- الإعلان عن فوز ترامب، مما دفع هاتين الدولتين لإعادة حساباتها، ووضع جميع السيناريوهات في الاعتبار، استعدادًا لتوقع قيام الرئيس الأمريكي المنتخب بإحياء سياسته -المتبعة في ولايته الأولى- ومحورها “أمريكا عظيمة مرة أخرى”، بما يستوجب توسيع دور الحلفاء، وزيادة مساهماتهم في تقاسم تكاليف الدفاع.

في أوائل شهر أكتوبر الماضي، وقعت سول وواشنطن اتفاقية لتقاسم تكاليف الدفاع قيمتها 1.14 مليار دولار سنويًا، للفترة 2026-2030، وفي أثناء ولايته الأولى، اتهم ترامب كوريا الجنوبية بـ “الركوب المجاني” على القوة العسكرية الأمريكية، وطالبها بزيادة المساهمة بقيمة 5 مرات، وفي أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، صرح ترامب “بأن كوريا الجنوبية كانت ستدفع 10 مليارات دولار سنويًا لو كان رئيسًا، ووصفها بأنها “ماكينة نقود” سوف تكون سعيدة بدفع هذه الأموال”!!

على الصعيد الاقتصادي، حذر وزير مالية كوريا الجنوبية تشيه سانج-موك من إمكانية حدوث تأثير كبير على الاقتصاد الكوري الجنوبي إذا نفذ الرئيس ترامب السياسات التي نوه إليها، وتعهد بمراقبة السوق عن كثب لتجنب التقلبات المفرطة.

عدوى المخاوف بخصوص قضايا الأمن والتحالف مع الإدارة الأمريكية الجديدة انتقلت من سول إلى طوكيو، غير أن الأخيرة بادرت بالإعلان عن أن العلاقات مع واشنطن “تشكل ركيزة لسياستنا الدبلوماسية والأمنية وأساسًا للسلام والازدهار”.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.