كمال جاب الله يكتب: فلسطين وكوبا ضحيتان للإرهاب الصهيوني-الأمريكي

1٬249

ليس وحده الكيان العنصري الصهيوني، الذي يرتكب جريمة الإبادة الجماعية في فلسطين، ويتحدى-بكل وقاحة-مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي، والقرارات الملزمة لمحكمتي العدل والجنائية، فالولايات المتحدة الأمريكية-شريكة الكيان في الجريمة بغزة- تمارس الدور الإجرامي-نفسه- ضد شعب كوبا المسالم.

منذ أقل من أسبوع، أبقت واشنطن على اسم كوبا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو إجراء يعد من أعمال الإكراه السياسي والاقتصادي، ويمثل حربا على هافانا في زمن السلم، ويتزامن مع تنشيط قانون “هيلمز-بيرتون”، الذي يحكم الخناق الأمريكي على رقبة شعب جزيرة أعزل، للحؤول دون التطبيع معه.

فيما يتعلق بالإبقاء على اسم كوبا ضمن القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، تثبت سجلات تعامل واشنطن مع هافانا العكس، حيث وقع ما لا يقل عن 581 عملا إرهابيا ضد البعثات الدبلوماسية الكوبية منذ انتصار الثورة في عام 1959، آخرها الهجوم على مبنى سفارتها- القريبة من البيت الأبيض- في شهر ديسمبر الماضي.

في 30 أبريل 2020 أطلق مسلح من أصول كوبية، مقيم في الولايات المتحدة، 32 رصاصة من بندقية على سفارة كوبا في واشنطن، وجاء الرد الأمريكي على الحادث في شكل “صمت متواطئ” يتماشى مع الخطاب العدائي المتزايد، الذي يشارك فيه- بشكل علني ومنهجي- العديد من المسئولين الأمريكيين ضد هافانا.

بشهادة خبراء الأمن القومي الأمريكيين، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وحكومات أغلب دول العالم والمنظمات الأهلية، فإنه لا توجد أية دلائل على أن كوبا تدعم الإرهاب، بل تؤكد الشهادة أن هافانا يمكن أن تكون شريكًا مهمًا في القضاء عليه.

الأمر المؤكد أن كوبا، نفسها، كانت ضحية لأكثر من 700 عمل من أعمال الإرهاب- بما فيها الهجوم الإرهابي على رحلة الطائرة الكوبية رقم 455 في عام 1976- تسببت في مقتل 3478 شخصًا، وإعاقة 2099 آخرين، ونظم معظم هذه الأعمال، ومولها ونفذها، إما عملاء من الولايات المتحدة، أو برعاية واشنطن للإرهابيين.

الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت 30 قرارًا يدعو فيه واشنطن إلى رفع الحصار المفروض على كوبا، ويجري التصويت كل سنة –تقريبًا- منذ 1992، وفي آخر قرار، صوتت لصالح كوبا 185 دولة، فيما عارضته إسرائيل والولايات المتحدة!!

هكذا تبدو الصورة واضحة-وضوح الشمس أمام الرأي العام العالمي- بأن الهدف الأمريكي من إبقاء اسم كوبا ضمن الدول الراعية للإرهاب- كإجراء أحادي لا أساس له من الصحة- هو تشويه سمعة دولة ذات سيادة، واتخاذه كذريعة لفرض عقوبات اقتصادية ومالية قسرية، كتلك التي فرضت على كوبا- بلا رحمة- لعقود.

في 6 أبريل من عام 1960، وضع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية ليستر د. مالورى مذكرة سرية-أعادت إدارة ترامب تفعيلها- وجاء فيها نصا: “إن غالبية الكوبيين يؤيدون كاسترو، والطريقة الوحيدة المتوقعة لسحب الدعم الداخلي تكمن في وضع خطة عمل ماهرة، تحقق أكبر قدر من الحرمان وتقليل الموارد المالية والأجور الحقيقية، وتسبب الجوع واليأس، وبالتالي، الإطاحة بالحكومة الكوبية”.

في يوم 3 فبراير عام 1962، وقع الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كينيدي، أمرًا تنفيذيًا برقم 3447 بفرض الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي على كوبا. وفي تطور لاحق عام 1996، وقع الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، على قانون هيلمز-بيرتون، بهدف تدويل وتشديد العقوبات الاقتصادية، الذي يمتد بالعقوبات إلى الأطراف الثالثة المتعاملة مع كوبا، وكذلك تطبيق قانون “الديمقراطية الكوبية”، وينص على استخدام العقوبات “ما دامت حكومة كوبا لا تتجه نحو الديمقراطية”!

في 17 ديسمبر عام 2014، أقر الرئيس الأسبق، باراك أوباما، بفشل السياسة الأمريكية تجاه كوبا، وتعهد بالمشاركة في نقاش مع الكونجرس لرفع الحصار، وأعلن العديد من التدابير، التي تهدف إلى تعديل تطبيق بعض جوانب الحصار.

في نهاية عام 2017، قام الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، بإعادة القيود التي كانت مفروضة في الحظر على التجارة والسفن، وإضافة 243 إجراءً جديدًا، أهمها تفعيل البند الثالث من القانون، وسمح التنفيذ- منذ مايو 2019- لأي مواطن أمريكي بالمطالبة أمام محاكم بلاده بالممتلكات، التي صادرتها الحكومة الكوبية منذ ولادة الثورة الكوبية في عام 1959، ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم، فرض المزيد من القيود على كوبا، على الرغم من وعوده الانتخابية بتخفيض العقوبات.

اللوائح العقابية الأمريكية ضد كوبا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، أبرزها تزايد المضايقات التي تستهدف المعاملات المالية والتجارية، وحظر الرحلات الجوية من الولايات المتحدة إلى جميع المقاطعات الكوبية، وترهيب الشركات التي ترسل إمدادات الوقود، بالإضافة إلى حملة تشويه سمعة برامج التعاون الطبي.

أيضا، فرضت واشنطن إجراءات اقتصادية قسرية بهدف التدخل في الشئون الداخلية الكوبية، والإضرار بحرية التجارة والملاحة الدوليين، ووصلت هذه الإجراءات إلى نحو 90 إجراء، نصفها كان موجهًا لتشديد الحصار من خلال الغرامات، وأنواع أخرى من العقوبات ضد كيانات أمريكية أو دول أخرى، وإدراج الشركات الكوبية في قوائم أحادية الجانب، وتمديد القوانين المتعلقة بالحصار، بجانب مجموعة أخرى من الإجراءات أثبتت تطبيق الحصار خارج الحدود الإقليمية.

 بتقديرات اليوم، تصل الخسائر المتراكمة جراء ستة عقود من الحصار إلى 144 مليارًا و413.4 مليون دولار، ومع الأخذ في الاعتبار انخفاض قيمة الدولار مقابل قيمة الذهب في السوق الدولية، فقد تسبب الحصار في إجمالي خسائر لكوبا يمكن تقديرها بأكثر من تريليون و98 مليارًا و58 مليون دولار.

كل هذه الإجراءات كان لها تأثير وجودي على الأنشطة الاقتصادية لكوبا، وعمليات التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية، ونظرًا لغرض الحصار المعلن والأسس السياسية والقانونية والإدارية التي يقوم عليها، فهو يعتبر عملًا من أعمال الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

باستثناء الكيان العنصري الصهيوني والولايات المتحدة، تتمتع كوبا بعلاقات صداقة وتعاون، قائمة على السلام والحوار مع كل بلدان العالم، تقريبا، حتى مع حكومات وعواصم قد تكون لديها خلافات سياسية أو أيديولوجية مع نهج هافانا.

بالضبط كما يعانيه الأشقاء الفلسطينيون من بطش ووحشية الإرهاب الصهيوني منذ 76 عاما، وحتى تاريخه، تعاني جمهورية كوبا الصامدة والبطلة- منذ عقود وبسبب الخناق الأمريكي الظالم- من أزمات اقتصادية ومالية خانقة للغاية، تؤثر بشكل مباشر-ووجودي- على مستوى المعيشة بكوبا، وتلبية الاحتياجات والخدمات الأساسية للمواطنين المسالمين، بما يعد عملا من أعمال جريمة الإبادة الجماعية.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.