كمال جاب الله يكتب: تعظيم التصدير المهمة الأولى لرئيس كوريا

197

زرت كوريا الجنوبية ثلاث مرات، وهناك يكاد يسمع المرء هتافات الجماهير الحاشدة: “التصدير هو الحل.. بالروح بالدم نفديك يا تصدير”، لدرجة ألزمت الرئيس يون صوك- يول بالإعلان: “من أجل تعزيز التصدير أنا البائع رقم واحد”.

إرادة تعظيم التصدير- إلى هذا الحد الهستيري- لا تقتصر على الكوريين الجنوبيين، شعبًا وحكومة ورئيسًا، بل يكاد الزائر- الوافد يلمسها في الدول الآسيوية المجاورة، وفي مقدمتها، الصين واليابان، وفيتنام وماليزيا، وتؤكدها الأرقام الرسمية المعلنة.

في كوريا الجنوبية، لم يكتف الرئيس يون صوك-يول بالتباهي بالرقم الذي حققته بلاده من أرقام قياسية للصادرات في عام 2022، حيث بلغت 683.6 مليار دولار، بالرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي، بل أعلن العزم على زيادتها لتبلغ 685 مليارًا.

وصولا لتلك الغاية، ركزت سول التفكير خارج الصندوق، بإضافة 12 بندًا للقوائم التصديرية الكورية التقليدية، لتشمل تصدير الطاقة النووية، والأسلحة ومعدات الزراعة والبناء، إضافة للمحتوى الثقافي الكوري كالأزياء وتكنولوجيا المعلومات.

القفزات القياسية التي تحققها الصادرات الكورية الجنوبية، تقابلها معضلة زيادة الدين الخارجي، الذي بلغ 664.5 مليار دولار في نهاية عام 2022، غير أن احتياطيات سول من النقد الأجنبي تجعلها في الأمان وتقدر بـ 423.16 مليار دولار.

معضلة مصيرية أخرى تواجه كوريا الجنوبية وتتمثل في انخفاض عدد السكان لمدة ثلاث سنوات متتالية، منذ أن تجاوز عدد الوفيات المواليد في عام 2020، لأسباب عديدة أهمها جائحة كورونا، وهو ما يؤشر إلى تسارع شيخوخة المجتمع.

لتأمين طموحاتها التصديرية، تجتهد سول باتباع سياسات إقليمية ودولية متوازنة، هادفة لتوثيق تحالفاتها مع شركائها التجاريين، وفي مقدمتهم، الولايات المتحدة واليابان والصين، ولحماية أراضيها، من تهديدات واستفزازات الشطر الشمالي.
علاقات التحالف الإستراتيجي بين سول وواشنطن معروفة، وتتوثق، على كل الأصعدة والمستويات، بصورة أكثر، خلال الفترة الأخيرة، لأسباب مفهومة، وتحديدًا في مواجهة الخطر الوجودي الذي يهدد حاضر ومستقبل كوريا الجنوبية، بالنسبة لليابان تظل قضيتا تعويض ضحايا العمل القسري الكوريين، وادعاء السيادة على إحدى الجزر، تقفان عقبة كؤود في طريق تحسين العلاقات المتوترة بين سول وطوكيو، رغم مرور نحو 77 عامًا على التحرير من الاستعمار الياباني.

اتصالات وثيقة تجري بين سول وطوكيو لإيجاد حل للقضية الأولى، ورسميًا، طرحت كوريا الجنوبية فكرة تعويض الضحايا من خلال مؤسسة عامة، بدلا من الحصول على تعويضات مباشرة من الشركات اليابانية، المتهمة بإجبار العمال الكوريين على العمل القسري، إبان الاستعمار الياباني في الفترة 1910-1945.

القضية عادت لنقطة الصفر بعد رفض الضحايا وعائلاتهم الفكرة، ودعوة اليابان إلى الاعتذار الصادق، ومشاركة الشركات اليابانية المباشرة في عملية التعويض.

أيضا، وكبادرة لتحسين العلاقات الثنائية والتعاون الأمني في مواجهة التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، وصفت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية اليابان بأنها جارة قريبة تشترك معها في القيم لبناء علاقات تعاونية مستقبلية.

في الوقت نفسه، أظهرت استطلاعات الرأي أن الشعور العام في كوريا الجنوبية تجاه اليابان تحسن بشكل ملحوظ، كما تحسنت مشاعر الشعب الياباني تجاه الدولة المجاورة، بما يعكس الوعي العام لدى الجانبين بالتوترات المتصاعدة في المنطقة.

عودة إلى إرادة تعظيم التصدير، باعتبارها قضية محورية، مسيطرة على العقول الآسيوية، وأعطى نموذجًا آخر، أكثر رواجًا على الساحة الدولية، ويرتبط ارتباطًا لصيقًا بطموحات سول في الحفاظ على حصتها التصديرية المتميزة مع شركائها.

في مطلع العام الحالي، 2023، أعلنت جمهورية الصين الشعبية، أن حصيلة تجارتها الخارجية في 2022 تجاوزت –لأول مرة- 40 تريليون يوان، أي نحو 6 تريليونات دولار، وارتفعت الصادرات بنسبة 10.5% فيما زادت الواردات 4.3%.

البيانات الرسمية الصادرة في بكين أكدت أن الصادرات الصينية حققت اختراقات في الحجم والجودة والكفاءة، مشيرة إلى أنه خلال الفترة من عام 2013- 2021، تجاوز حجم التجارة الخارجية الصينية للسلع 36.4 تريليون دولار، في الوقت نفسه، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الصيني الرئيسي، من 113.3 مليار دولار في عام 2012، إلى 173 مليارًا في 2021، وبلغت تدفقات الاستثمار المباشر الصيني بالخارج 1.4 تريليون دولار من عام 2013 إلى 2021.

المستويات القياسية لحجم تجارة الصين الخارجية تظهر- وفقًا للمفهوم السائد في بكين- الروابط التجارية الأوثق، والتعاون في سلاسل التوريد، بين الصين وبقية الدول، وأن العالم يرفض نظرية فك الارتباط التي أثارها بعض الساسة الأمريكان.
فقد أظهرت البيانات الرسمية الأمريكية الصادرة حديثًا أن التجارة بين الولايات المتحدة والصين سجلت رقمًا قياسيًا في عام 2022، بلغ 690.6 مليار دولار.

في الوقت نفسه، زاد إجمالي حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنسبة حوالي 23%، مقارنة بعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، وهو ارتفاع جديد آخر، وفقا للإحصاءات الصادرة في 15 فبراير الحالي.

وأظهرت بيانات عام 2022 أن إجمالي حجم تجارة الصين مع إفريقيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية بلغ: 282 مليار، و975.3 مليار، و485.8 مليار دولار، وهو يمثل زيادات سنوية نسبتها: 11.1% و11.2% و7.7%، على التوالي، وجميعها حطمت الأرقام القياسية.

تبقى الإشارة إلى اليابان، باعتبارها الشريك التجاري الثالث لكوريا الجنوبية، فقد تأثرت التجارة الخارجية اليابانية كثيرًا في عام 2022، نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام إلى جانب الانخفاض الحاد في سعر صرف الين، مما تسبب في حدوث عجز تجاري بلغ نحو 155 مليار دولار، حيث بلغ حجم الصادرات 763.47 مليار دولار، ووصلت الواردات إلى 918.74 مليار.

بالرغم من هذا العجز، فقد حققت اليابان فائضًا تجاريًا مع الولايات المتحدة، بلغت قيمته 50 مليار دولار، يقابله عجز تجاري مع كل من الصين والاتحاد الأوروبي، بلغ 45 مليارًا و15.7 على التوالي.

أختتم بسؤال مشروع، يرتبط بما بدأت به هذا المقال: هل تنجح كوريا الجنوبية في فرض إرادتها لتعظيم التصدير، وتحقق أرقام قياسية جديدة، بالرغم من كل التحديات الاقتصادية الدولية، والوجودية المداهمة، التي تواجهها؟ لننتظر ونرى.

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.