كمال جاب الله يكتب: الرعب النووي «يفترس» كوريا الجنوبية واليابان

121

آخر تعقيب رسمي أصدرته بيونج يانج، جاء فيه أنه ينبغي على الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أن يقر بأن “كوريا الشمالية دولة نووية، ويعترف بالواقع غير القابل للمحو إلى الأبد”، تهديد صريح باستخدام سلاح الدمار الشامل، ضد واشنطن، أساسًا، وحليفتيها، سول وطوكيو، المجاورتين للشطر الشمالي.

رئيس مجلس وزراء اليابان، فوميئو كيشيدا، وصف – في آخر تصريح له – البيئة الأمنية التي تواجهها طوكيو وواشنطن (ويمكن إضافة سول) بأنها هي الأكثر صعوبة، وخطورة، وتعقيدًا، في التاريخ الحديث.

بدوره، صرح رئيس كوريا الجنوبية، يون صوك-يول، بأن بلاده يمكنها نشر أسلحة نووية تكتيكية، أو تمتلك أسلحتها النووية الخاصة، إذا اشتدت استفزازات بيونج يانج، بالرغم من توقيع سول على المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة النووية.

الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أبدى استعدادًا، غير مسبوق، بالدفاع عن الحليفتين، سول وطوكيو، مؤكدًا دعمه “لتعزيز الردع الموسع بصورة فعالة داخل التحالف الأمني بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من جهة، وتشجيع اليابان في زيادة ميزانيتها الدفاعية، وقدرات الهجوم المضاد، واستخدام صواريخ توماهوك كروز”.

هذه البيئة الأمنية، الأكثر خطورة وتعقيدًا، حسب وصف كيشيدا، أشعل فتيلها خطاب ألقاه الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، في استقبال العام الجديد، 2023، حيث تبنى حزب العمال الحاكم في بيونج يانج شعارًا، بأنه “لا شيء سوى الخطر”، nothing but danger، وبالتالي، ظهر الزعيم أون وكأنه على استعداد لهدم المعبد على كل من فيه، بإطلاق سباق تسلح، وزيادة الرؤوس النووية بلا حدود، حتى ولو كان الثمن المزيد من التدهور الاقتصادي، والمعاناة لشعبه.

أمام الاستفزازات الكورية الشمالية باستخدام سلاح الدمار الشامل، بما فيها عشرات الرؤوس النووية، للحفاظ على اختياراتها، المثيرة، والتهديدات التي تواجه نظام، كيم جونج أون، تقف سول وطوكيو مغلولتا الأيدي، بحكم التزامهما بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ولأن اقتصادهما يعتمد – كليا – على التجارة الدولية.

مظاهر الخطورة والتعقيد في البيئة الأمنية التي تواجه كوريا الجنوبية واليابان، وحليفتهما الأكبر الولايات المتحدة، لم تتوقف عند حدود التهديد النووي الكوري الشمالي، بل تصاعدت – الخطورة والتعقيدات – بعد تهديد روسيا باستخدام الردع النووي في مواجهة خصومها، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال، اليابان، التي تطالب باستعادة جزر شمالية محتلة، ضمها الاتحاد السوفيتي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأعلنت طوكيو – صراحة – وقوفها ضد موسكو في الحرب الأوكرانية.

الخطورة والتعقيدات – نفسها – تواجه سول، بحكم تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، واستضافتها قواعد عسكرية أمريكية على أرضها، ومخاوف سول، ليست – فقط – من إمكانية نشوب حرب نووية عظمى بين روسيا وخصومها، ولا حتى من جانب جارتها الشمالية اللدودة، بيونج يانج، بل – أيضًا – من زيادة الميزانية والقدرات الدفاعية اليابانية، وهو الأمر المرفوض – شكلًا وموضوعًا – لدى الكوريين.

أيضًا، تسعى كل من طوكيو وواشنطن – وقد تشاطرهما سول الرأي بحكم التحالف الأمني الذي يجمعهم، وتحت شعار أن العواصم الثلاث رائدة وذات خصائص وتوجهات ديمقراطية – تسعى، إلى جر بكين إلى حلبة الصراع، وضد ما تصفه بأن الصين – ثاني أكبر اقتصاد، وثاني أكبر قوة في العالم بما فيها القدرات النووية – بأنها التحدي الإستراتيجي الأكبر في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ، وما وراءهما.

مشاعر القلق والتوتر – القصوى – في سول، بسبب خطورة وتعقيدات البيئة الأمنية الإقليمية، دفعتها إلى التلويح بإلغاء الإعلان المشترك – بين الشطرين الجنوبي والشمالي – بشأن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، الصادر في شهر ديسمبر عام 1991، وهو الإعلان الذي ينص على إزالة خطر الحرب النووية، بإخلاء شبه الجزيرة منها، وتجنب إجراء اختبارات الأسلحة النووية، وتصنيعها، وإنتاجها، واستلامها، وامتلاكها، وتخزينها، ونشرها، واستخدامها، وترتب على هذا الإعلان قيام واشنطن بسحب الأسلحة النووية التكتيكية من قواتها المتمركزة في كوريا الجنوبية.

استمرت حالة الحفاظ على نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية لفترة، غير أنه جرى تفريغ إعلان 1991 من مضمونه وإلغائه عمليًا، بسبب قيام بيونج يانج بتطوير أسلحة الدمار الشامل، وإجراء 6 تجارب نووية، وتلوح بالسابعة.

في تصنيف نشرته أخيرًا، مجلة “يو إس نيوز آند ورلد ريبورت” الأمريكية، احتلت كوريا الجنوبية المركز السادس، كأقوى دولة في العالم عام 2022، يسبقها في الترتيب على التوالي: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، ألمانيا، بريطانيا، وتحتل فرنسا واليابان المركزين السابع والثامن على التوالي.

تقدر مراكز أبحاث دولية أن كوريا الشمالية تمتلك 15 رأسًا نوويًا على الأقل و60 رأسًا نوويًا كحد أقصى، وأعلنت نشرة علماء الذرة (BAS) الأمريكية – في تقرير أصدرته في شهر سبتمبر من العام الماضي – أن بيونج يانج تمتلك ما بين 20 و30 رأسًا نوويًا، وتم تجميع معظمها لتحميلها على صواريخ باليستية متوسطة المدى.

في حين، ذكر معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) في شهر يونيو من العام الماضي إن كوريا الشمالية تمتلك بالفعل 20 رأسًا نوويًا، وتمتلك المواد الانشطارية التي يمكن إنتاج 45 – 55 رأسًا نوويًا إضافيًا بها.

ويقدر مركز الأبحاث لإلغاء الأسلحة النووية (RECNA) بجامعة ناجا زاكي اليابانية أن كوريا الشمالية تمتلك 40 رأسًا نوويًا اعتبارًا من يونيو عام 2022.

أيضًا، ذكر معهد الدراسات الإستراتيجية الوطنية (INSS) التابع لجامعة الدفاع الوطني الأمريكية أن بيونج يانج تمتلك ما بين 15 و60 رأسًا نوويًا عام 2020..

وفقًا للتقديرات هذه، مؤكد أن كوريا الشمالية طورت بالفعل وتمتلك كمية كبيرة من الرؤوس النووية، ومن المتوقع أن تزيد من حيازتها للرؤوس النووية من أجل تأمين القدرة على الهجوم المضاد في حال تعرضها لضربة وقائية نووية أو هجوم.

بقيت الإشارة إلى أن اليابان، الدولة الوحيدة التي اكتوت بنار القصف الذري، تحرم المادة التاسعة من دستورها اللجوء إلى الحرب أو التهديد باستخدام القوة العسكرية لحل المنازعات الدولية، كما تعتمد طوكيو 3 مبادئ حاكمة بخصوص الأسلحة النووية، هي: استبعاد إنتاجها أو حيازتها أو إدخالها حدود البلاد، فماذا ستفعل؟

kgaballa@ahram.org.eg

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.