إعزف على الكمان ِكي أتأمّلَ حزنَي في ضوءِ القمرِ السكرانْ

118
بقلم / مصطفى جمعه  
(.من بيتي المرفوعِ على جدران ِالليل بلا جدرانْ ،يطبقُ كفّي على قوسي،ويبكى الكمان،والصمتُ يسيلُ كدمعةِ حزنٍ في لحن الاحزان،إعزف ْانغامي في الأفقِ الأزرق ِكي أتأمّلَ حزنَي في ضوءِ القمرِ السكرانْ ،اعزف على الكمان أنغاماً مسكرةً تتطهّر فيها كلمات الحبّ ،كما يتطهّرُ قلب ُالغيمة ِفي قزح ِالعذراءِ،وتصفو في كفّي العاشق ِايام الزمان!…اعزف ما يجعل ُقلبَ الأمل الواقفِ في بابِ الدمعةِ حرفَ نداءٍ ييناديك!
اعزفْ كي تتطهّرَ نفسي السكرى،في لحظات ِالصمت ِالصوفيّ
وتنحلَّ سكينةُ حزني الأبديِّ إلى دمعات ،اعزف ما يجعلُ روحي،تتكهرب ُبالأنوارِ الربانية ،فوق غصون ِالرؤيا كالكروان ،فأنا قدّيس ُ العمر المتأمّل ُعند طلوع ِالفجر
فلا شئ يعطى للروح أجنحة وينزعها من الأرض ويخلصها من رباطات الجسد ليحلق بها في فضاءات الكون الرحبة ، الا العزف على الكمان ، التي في صوتها بحّة حزن يجرح قلوب السامعين، عندما تمزج دمع اللحن على جرح الكلمات فوق أوتار القلب فتتسللُ إلى أوردتنا لكي تسقيها مياه الغرام لتهدي مشاعرنا الأحلام .
منذ علمني معلمي وشقيق روحي الموسيقار الكبير عبده اسماعيل رحمه الله واسكنه فسيح جناته العزف على الكمان ، وطور من مستواي فيه تؤام الفؤاد الفنان الكبير قباري علي مصطفى رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية ، خلقت هذه الآلة الساحرة في احاسيسي شغفا نحو الفن والموسيقى .
فتحول الكمان من يومها في يدي الي مترجم لما اشعر به من مشاعر بنغمات ساحرة تنبعث من العمق، تترنم على أوتاراً تنبض وجداً بين الأنامل، تحاكي حالات العشق ونوبات الإنسجام المطلقة، مخاطباً الإحساس والوجدان ليسمو إلى أجواء تفيض شغفاً وانبهاراً، شمسه تسطع في سماء الانغام وتمنحه بعداً سماعياً أخاذاً .
فالعزف على الكمانِ يبحر بنا عبر أوتاره الي عالم الأحاسيس الدافئة كي يعبر عن أفراحنا وأحزاننا وماضينا ومستقبلنا من خلال المقامات العربية والشرقية والأندلسية بمسمياتها المختلفة فما بين الصبا والبياتي والكرد الحجازإلى الراست والنهاوند والنوا أثر والحجاز كار كرد والسيكاه والهزام مروراً بالمقامات الأندلسية .
كل ما أجيده هو العزف لكي أشدو بأجمل الألحان التي تعزفُ الحبَ وتنزفُ الأحزان في العشق، لن يشفينا أي شيء في هذه الدنيا الا العزف على الآلام من خلال العزف على الكمان الذي يشفي الجراح في لمسة الوجود لحنا مع الروح .
ما أروع هذا العزف َالنازف فوق عذاباتنا ِكقدّاس ِسكينتهِ البيضاء في نفوس ُالحيارة.
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.